مسلمات اقتصاد الفرد

كلما تناقشت مع شاب يبدأ حياته العملية حول أولوياته الشخصية الخاصة بالتخطيط المالي أو الإنفاق والمرتبطة بمخططاته الاجتماعية، أجد أن بعض آرائه وقراراته مبنية على ما يعتقد أنه مسلمة اقتصادية، أو حتى اجتماعية، وهي في الحقيقة ليست كذلك، لكنه إما تعرض إلى تشويه أفكاره، وإما فهم الأمر على غير حقيقته، أو أعتقد أن السائد ـ حتى لو لم يكن صوابا ـ هو السبيل الآمن معيشيا.
على مدى أعوام من العمل الميداني في الصحافة الاقتصادية، وأعوام من الكتابة رصدت في بعض الأحيان محتوى غير دقيق يسهم في تضليل البوصلة الاقتصادية للفرد العادي، مثل عناوين تحدد نسبة "تخمينية" من دخل الفرد للإنفاق على شيء معين، وفي الأغلب ما يكون في عناوين أخبار أو ضمن مقالات لا تستند لا إلى إحصاء رسمي، ولا إلى استبيانات مهنية.
اليوم بات جزء من صناعة المسلمات الثقافية والاجتماعية الاقتصادية يتم في وسائل التواصل الاجتماعي، وهي تشكل خطورة أكبر من الإعلام التقليدي، لأنها تفتقد إلى التحكم والرقابة على المعلومة، ولأنه يسهل اختراقها من أصحاب الأجندات وغيرهم.
قناعاتك وتجاربك هي أول من يجب أن يصنع مسلماتك الاقتصادية، فالجد الذي كان يعتقد أن "الاقتصاد يبدأ من المطبخ" كان ينطلق من كون الطعام الحاجة الأهم التي يجب توفيرها للأسرة، وربما كان حديث عهد بأزمنة الجوع فيعد ما كان، وما زال مع الأسف من الإسراف في شراء الطعام ومن ثم هدره، هو أكثر ما يهد بناء اقتصاد الفرد أو العائلة.
لكن إنسان اليوم ربما يعد الاقتصاد يبدأ من إدارته للتقنية والاتصال والتواصل في منزله بدءا بنفسه، ثم بأفراد أسرته المسؤول عنهم تربويا ثم ماليا، ليراقب تأثير التقنية في صناعة مسلماتهم الاقتصادية التي ستكون أحد أسلحتهم في مواصلة الحياة الكريمة.
على الفرد أن يراقب التقنية ليس فقط لجهة تكلفتها عليه، وهي بالمناسبة ترهق كثيرين وقع في روعهم ـ كمسلمة ـ أنها من ضرورات الحياة للجميع بينما هي مهمة للراشدين والمنتجين في الأسرة، لكن أيضا ملاحظة تأثيراتها السلبية وأفكارها الاستهلاكية التي وصلت في بعض مواقع الاتصال والتواصل إلى حد الخطر.
التجربة الحياتية والاستقلالية في أسلوب الحياة، وتلافي المؤثرات الواهية هي أولى خطوات صناعة ثقافة مالية واقتصادية كافية، وهي من تصنع مسلمات الأسرة في شتى مناحي الحياة، ويجب أن تكون هي المؤثر الحقيقي في كيفية إنفاقهم بعد أن تكون ـ كما أتوقع ـ المؤثر الإيجابي والمحفز في كيفية صناعتهم وتنميتهم للدخل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي