استفت جيبك
هل تتذكرون المفارقة العجيبة الشهيرة التي تحدث للبعض عندما يكون في صف مزدحم أمام المحاسب أو أثناء السير بمركباتهم؟ المفارقة أنك تترك مسارا كنت واقفا فيه لأنه لا يتحرك، وتتجه إلى آخر تحسبه أسرع فيحدث أن يتحرك الخط أو المسار الذي تركته، ويعود التوقف أو البطء للجهة التي انتقلت إليها.
هذا ما ذكرتني به توصيات وتعليقات تصدر من كثيرين عند هبوط مؤشر سوق الأسهم، وانخفاض أو تصحيح أسعار الشركات، فهم يطلبون أو لعلهم يقترحون أن يبيع المستثمر أسهمه، ويعاود شراءها بعد فترة بأسعار أقل، ليكسب بعض المال دون خسارة الأسهم.
ما يحدث في الأغلب، أن الفرد يبيع سهما أو اثنين على ذلك الأمل، ثم يجد أنها لم تواصل الهبوط، أو حتى ارتفعت قليلا، فإذا كان راغبا ومتمسكا بها سيعاود شراءها ويخسر بعض المال، حتى لو اشتراها بالسعر نفسه سيخسر قيمة العمولات والضرائب.
ما زال البعض يخلط بين سلوك الفرد المستثمر، وسلوك الفرد المضارب، فالأول في الأغلب لا يتابع السوق كثيرا، ولا يقترح أو يوصي في المواقع الإلكترونية وحسابات التواصل الاجتماعي، ومن يفعل ذلك باستمرار هو المضارب، ربما بحسن نية، أو ربما تحقيقا لمصالحه الشخصية، خاصة أن بعض المواقع المهتمة بالأسهم تسمح لأصحاب هويات وأسماء مجهولة بالتعليق فيها طالما يسجلون الاشتراك ويدفعون رسومه إن وجدت.
أثبتت التجارب العالمية والمحلية أن المستثمر طويل النفس هو من يكسب في النهاية، يختار مجموعة من أسهم الشركات الأفضل في الأداء والنمو والإفصاحات والحوكمة، وتلك التي توزع دوريا ولها حضور واضح جلي في قطاعها، فيستفيد مع الوقت نموا في الأصل، وعوائد دائمة ومستمرة حتى لو كانت تبدو قليلة.
المكسب هنا ليس ماديا فقط على أهمية المال في هذا الشأن، إنه أيضا يكسب راحة باله وربما صحته البدنية والنفسية، فهو يمارس عمله أو مهنته ويبتعد عن متابعة السوق والضغوطات التي يتسبب بها، وعلى المضارب اليومي أن يتعايش معها خاصة إذا لم يكن ثريا ومحترفا وقادرا على التأثير، بل إنه مجرد حالم تأخذه الدائرة دوما إلى نقطة البداية ولو بعد حين.
أفضل من يفتيك في قرارات الاستثمار الشخصية الصغيرة هو جيبك، خاصة إذا كان يدخله كل ربع عام مبلغ معقول كأرباح من شركة ناجحة، فهو سيخبرك أن اتباع بعض الأقوال والآراء يمكنه أن يوقف هذه التدفقات الصغيرة المستمرة التي تنمو مع الزمن وتحقق لك الأمان الاستثماري النسبي.