Author

النمو المستدام للاقتصاد والتوظيف

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

تقف الأهداف المتمثلة في النمو المستدام للاقتصاد والتوظيف وكبح جماح كل من البطالة والتضخم، على رأس أولويات جميع السياسات الاقتصادية في أي بلد حول العالم، وعدا أن الأجهزة المعنية بتحقق تلك الأهداف تقوم بتسخير كل الموارد والقدرات المتاحة لأجل تحققها، فإنها أيضا تعمل من جوانب أخرى على تذليل جميع المعوقات التي قد تقف في طريق تحقق تلك الأهداف، وتعمل وفق منظومة متكاملة من الجهود المشتركة والمستمرة على مواجهة أي معوق مهما كان، قد يتسبب في تأخير أو منع أي برامج أو سياسات تستهدف النمو والتوظيف وكبح التضخم.
تكاد تتعادل كفتا تنفيذ البرامج والسياسات من جانب، ومن جانب آخر الجهود الهادفة لردع أي معوقات قد تعطل جهود الكفة الأولى، فهما تحملان الدرجة نفسها من الأولوية التنموية في نظر المخطط الاقتصادي، إضافة إلى فرق العمل الأخرى القائمة على ترجمة تلك البرامج والسياسات على أرض الواقع، فكلا الجهدين المبذولين في اتجاه أي من الكفتين أعلاه يكمل بعضهما بعضا، ولا يمكن أن تتقدم الأعمال والمشاريع ذات العلاقة خطوة واحدة إلا بتحقق هذا التكامل، بين يد تتولى التنفيذ والبناء والترجمة الفعلية لنصوص البرامج والسياسات على أرض الواقع، ويد أخرى معنية بتذليل الصعوبات والمعوقات في وجه جهود اليد الأولى.
محليا: يمكن التأكيد أن الاقتصاد الوطني دخل ورشة إصلاحات وتطوير هي الأكبر على الإطلاق في تاريخه الممتد لأكثر من خمسة عقود مضت "منذ بدء الخطط التنموية"، وتم تخصيص تريليونات الريالات لأجل ترجمة تلك التطلعات والجهود العملاقة على أرض الواقع، وفق مواعيد زمنية محددة بدقة عالية، وتم إخضاع جميع الجهود والإنفاق المالي المجدول لأجلها لأنظمة حوكمة ذات صرامة عالية، وهذا الأمر تحديدا "الحوكمة" كان من أهم الضوابط الحصيفة التي تم العمل بها، والعامل الحاسم الذي افتقر إليه بنسبة مرتفعة كثير من البرامج التنموية طوال العقود التي سبقتها، وكان سببا في تعثر كثير منها حسبما أظهرته عمليات المراجعة الشاملة والدقيقة للمشاريع التنموية السابقة، كانت قد تجاوزت تكلفتها نحو 2.1 تريليون ريال، ووقع كثير منها تحت حالات بدأت من التعثر وصولا إلى عدم التنفيذ، وشاب عديدا منها أشكال من الفساد المالي والإداري، تم اكتشافه ومحاسبته بصرامة عالية طوال الأعوام الأخيرة من خلال الجهود العملاقة المبذولة من هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، التي ما فتئت تعلنها بصورة منتظمة ومستمرة، ونجحت خلالها في حماية المال العام واسترداده لمصلحة خزينة الدولة.
إن المقصود من كل ما تقدم، هو التأكيد أن أغلب المعوقات التي قد تعترض طريق البرامج والسياسات الطموحة الراهنة، تم الاستعداد لها وتنفيذ الإجراءات والتدابير اللازمة للتصدي الرادع لها، سواء من خلال الحوكمة الشاملة والدقيقة أو من خلال الجهود التي تقوم بها هيئة الرقابة ومكافحة الفساد. إنما يجب التأكيد هنا أنه ما زال أحد أكبر المعوقات التي تسبب وجودها في تأخير كثير من تنفيذ البرامج والسياسات، ولا مبالغة إذا أنها وصلت في عديد من المسارات إلى عدم تقدمها وتعثرها، والمتمثل في "التضخم الراهن للأراضي"، التي تعد أول وأهم وأكبر عناصر الإنتاج، التي يشترك في تحمل تكلفتها جميع قطاعات ونشاطات الاقتصاد الوطني؛ بل امتد التأثير السلبي لتضخمها غير المبرر حتى إلى كل المجالات المعيشية للمواطن والمقيم على حد سواء، وأصبح من الضرورة القصوى أن يتم العمل المتكامل والحازم على معالجته بأسرع وقت ممكن، استهدافا لحماية البرامج والسياسات الطموحة الراهنة بالدرجة الأولى، وللتحسين المستمر والملموس لكل الجوانب المعيشية المرتبطة بأفراد المجتمع.
أثبتت تجاربنا التنموية السابقة طوال العقود الماضية، أنه مع كل تضخم في أسعار الأراضي "الجزء غير المنتج اقتصاديا" داخل المدن الرئيسة تحديدا، وما يليها من ارتفاع في تكاليف المنتجات العقارية على اختلاف أنواعها شراء أو إيجارا، وجدت مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني وشرائح المجتمع على حد سواء، ارتفاعا في تحدياتها سواء من حيث تكاليف التشغيل والإنتاج بالنسبة للقطاعات المنتجة، أو من حيث تكاليف المعيشة بالنسبة للشرائح الاستهلاكية من المجتمع. ولأجل هذا تم إقرار عديد من الإصلاحات الهيكلية بالتزامن مع انطلاق البرامج التنفيذية لرؤية المملكة 2030، كان من أهمها إقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء في المدن والمحافظات، إلا أن الآلية التي تم اتباعها على مستوى التنفيذ طوال ما يقارب ستة أعوام ماضية لم ترتق بعد إلى تحقيق أي من الأهداف الثلاثة الرئيسة للنظام، وهو ما سبق استعراضه والحديث المفصل عنه في المقالين السابقين.
يجب التأكيد أن النتائج الإيجابية المرتقبة من إعادة معالجة منهجية احتساب الرسوم على الأراضي البيضاء من جانب، ومن جانب آخر ما يتعلق باكتمال تنفيذ بقية مراحل النظام، أؤكد أنها لن تقف فحسب عند مجرد تحقق الأهداف الرئيسة للنظام، بل تتجاوزها إلى ما هو أبعد من كل ذلك، وصولا إلى زيادة تحفيز نشاطات الاقتصاد الوطني بأكملها، والقطاع الخاص خصوصا التي سيسهم نموها مجتمعة بعد تخلصها من أعباء التضخم المستمر لأسعار الأراضي والعقارات، وبما يمثله كل ذلك من عبء ثقيل الوزن في جانب تكاليف التشغيل والإنتاج بالنسبة للمنشآت العاملة في مختلف نشاطات الاقتصاد الوطني، عدا ما تشكله أيضا من وزن ثقيل في سلة تكاليف المعيشة بالنسبة للشرائح الاستهلاكية من أفراد أسر المجتمع؛ ما يؤكد في المجمل أن تحقق هذه المنافع والإيجابيات المنتظرة لزوال التضخم الراهن وغير المبرر في أسعار الأراضي، وما يترتب عليه من تضخم لاحق للمنتجات العقارية المختلفة، من شأنه أن يفتح آفاقا واعدة جدا لا حصر لها أمام هذه الأولويات التنموية، التي يمثل النمو الاقتصادي والمستدام وإيجاد الوظائف الملائمة أمام عشرات الآلاف من الموارد البشرية الوطنية، والنجاح في كبح جماح موجات التضخم، وما يترتب عليه من تآكل في قيمة العملة الوطنية، أؤكد أنها الأولويات التي تعد العنوان الرئيس لنجاح أي برامج وسياسات كلية لأي اقتصاد حول العالم.

إنشرها