تغيرات تنذر بنظام اقتصادي جديد

لا يزال النظام الاقتصادي الجديد يعيش حالة مخاض صعبة وتحولات طالت الأدوات النقدية وجعلتها أقل فاعلية في التأثير في الاقتصاد، فسعرا الفائدة والنفط من أهم المؤشرات على حالة النمو الاقتصادي، إلا أن سعر الفائدة المنخفض لم يعد يحفز الاقتصاد على الصعود وأصبح تأثيره ما بين محايد إلى سلبي، ويعزى إلى الركود الوبائي الذي أصاب العالم بحالة من تضخم الأسعار والأصول دون أن نرى تماسكا حقيقيا لمعدلات نمو الاقتصاد، وهذا جعل صناع السياسات الاقتصادية في حالة من الإحباط، وعلى المنوال نفسه هناك العملات المشفرة تواصل النمو بسبب العرض النقدي العالمي من الأموال، سواء من خلال التيسير الكمي أو من خلال زيادة معدلات النقد التقليدية بهدف التحفيز أو الاحتواء، إلا أن هذا العرض النقدي الهائل أسهم في صعود وتيرة المضاربات في العملات المشفرة والأسهم، وبالعودة إلى النفط نجد أنه حاليا يعيش بين تجاذبات اقتصادية وسياسية شديدة، ولا سيما بعد دعوة "بايدن" كبار المستوردين للنفط إلى السحب من الاحتياطيات الاستراتيجية والتجارية للضغط على الأسعار، وقد نرى تأثيرها الاقتصادي في صورة هزات للأسواق المالية، وقد نشهد خلال الأسبوعين المقبلين تبعاتها، ومع الأسف أنها آثار سلبية لتدخلات السياسة في الاقتصاد بشكل حدي، ولكن نتائجها مؤقتة وستزول بمجرد تلاشي أثر الإمداد المؤقت من احتياطيات النفط.
أعتقد بأن المنتجين من "أوبك"، وخارجها مثل روسيا، قادرون على إعادة التوازن للأسواق بأسعار جديدة قد تتخطى حاجز 90 دولارا في غضون 90 يوما على الأقل، ويمكن معرفة ذلك من حالة الارتداد المضاربي في أسواق العقود الآجلة على غرار الحالة التي أصابت أسواق الأسهم بسبب المعروض النقدي من السياسات المالية العالمية لمواجهة آثار كوفيد - 19، والجدير بالذكر في جوانب التغيرات الهائلة التي يعيشها العالم بسبب حالات الإغلاق وتضخم الأسعار للسلع والطاقة، أن الشركات الصغيرة والمتوسط أصبحت تخرج من الأسواق بطريقة سريعة، وتشير بعض التحليلات إلى أنه لن يبقى في بريطانيا سوى عشر شركات لتوريد الطاقة للمنازل بدلا من 50 شركة بسبب ارتفاع أسعار الغاز، لذا إذا استمرت ظروف الاقتصاد العالمي بهذه الوتيرة نفسها إلى عشرة أعوام مقبلة، فمن المرجح أن الحكومات ستتولى قيادة الاقتصاد لخدمة شعوبها على غرار النموذج الموجود حاليا في دول الخليج، وسنرى الحكومة الكبيرة نموذجا أساسيا في عدد من القطاعات، مثل الصحة والتعليم والطاقة، وأخرى.
أخيرا، يمكننا إجمال أهم المبررات لولادة نظام اقتصادي جديد، "أولا" تطبيقات الثورة الاصطناعية الرابعة، بما في ذلك العملات المشفرة والجيل الجديد من النقد العابر لسياسات الدول الاقتصادية وعدم الثقة بسياسات البنوك المركزية. "ثانيا"، الاتجاه نحو الاقتصاد الرقمي بكثافة. "ثالثا"، ضعف الأدوات النقدية التقليدية في السيطرة على الاقتصاد أو تحفيزه. "رابعا"، عناصر التأثير غير الاقتصادية مثل الإغلاقات الاقتصادية بسبب الفيروسات، والتي نتوقع استمرارها لعقود، والمناكفات السياسية المؤثرة في الاقتصاد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي