Author

هل نوثق ما يتم تداوله؟ 

|

بين فترة وأخرى نقرأ  دراسات وأبحاث يفتقر بعضها الإشارة إلى المصادر أو تعتمد على نوع من الإسناد غير الواقعي ما يفقدها المصداقية والموثوقية المطلوبة.

ومن ثم يأخذ أنه لا يعلم عن مدى إلمامه بالمنهج العلمي حتى يمكن الحكم على إتقانه إجراءات البحث العلمي الرصين، أو على أقل تقدير الحد الأدنى من شروط البحث العلمي.

وفي رأيي أن المعلومات المتعلقة بالطب، والصيدلة، ومنتجات الزينة التي يتم تداولها لا بد لها من توثيق دقيق، لضمان سلامة الناس.

البعض يقلل من استطلاعات الرأي العام، ويرى أنه يجب ألا يتوافر في أدواتها، وأساليب تنفيذها المنهج العلمي، وإنما هي مجرد سؤال، أو عدة أسئلة تطرحها وسيلة إعلامية، أو شخص، أو مركز معني باستطلاعات الرأي العام، على اعتبار أنها مجرد الخروج بانطباعات الناس، أو توجهاتهم إن كانت إيجابية، أو سلبية نحو موضوع من الموضوعات، خاصة ما له علاقة بالشأن الخاص، وما يمس مصالحهم، وحياتهم اليومية، كاستطلاع بشأن تعديل في نظام، أو مشروع ربما يؤثر في البيئة، أو ما شابه ذلك.

وإحدى الدراسات المثيرة للانتباه التي تحتاج إلى من يتوثق من صحتها، دراسة وجدت أن 40 في المائة من السعوديين يفضلون السفر للخارج، كما قرأت أن دراسة توصلت إلى أن 15 في المائة من السعوديين يفضلون السيارات الكهربائية، وستكون خيارهم المفضل في الأعوام المقبلة، وعند قراءتي لمثل هذه الأشياء أطرح على نفسي أسئلة من مثل هل فعلا هذه النتيجة تعزى إلى دراسة علمية؟ ومن أجراها؟ وما المصدر الذي وجدت فيه من يزعم أنها دراسة؟ وبخلفيتي العلمية أجد نفسي أمام أمرين أحدهما أن لا أحد يصدق ذلك لافتقاد التوثيق العلمي الذي اعتدنا، وتدربنا عليه، ودربنا طلابنا، وألزمناهم به، لكنني سرعان ما أتراجع، وأقول إنه لا يمكن اعتماد النمط الأكاديمي على مصادر هذه الدراسات كافة.

وأسترسل في التوجه المرن لأجد مبررا آخر وهو أنه ليس بالضرورة أن يسأل عن مرجعية الدراسة، وأهلية القائم، أو القائمين عليها، فمجرد وجود عبارة توصلت دراسة كافية إلى حتمية صحة النتائج، وقبول الناس لها، نظرا لأنهم لم يعتادوا على السؤال بشأن المصدر، ومصداقيته، أو لحتمية الثقة بالمصدر التي توجد لديهم.

ما تتم الإشارة إليه قد يكون مبنيا على منهج علمي سليم، إلا أن غياب المصدر، واسم الفرد، أو الهيئة المنفذة قد يفقد الدراسة المصداقية، رغم تنوع، وتعدد الفئات التي تستقبل المعلومة، وتمحصها، وتتساءل بشأنها، حتى يمكن القول إن الجمهور بين طرفين أحدهما مستقبل للمعلومة مؤمن بها، ومدافع عنها، وطرف رافض لها لافتقاد مؤشر الموضوعية، لما لديه من تجربة ثرية، وأحكام منطقية، وقواعد متعارف عليها يسقطها على ما يقرأه، وما بينهما متردد بين القبول والرفض.

أعتقد أن إيراد مثل هذه الدراسات لا يخرج عن احتمالين أحدهما أن من أورد مثل هذه المعلومة لا تعنيه الموضوعية، والدقة، ولا تخطر على باله، وما يهمه مجرد تداول كل جديد تسير به الركبان، أما الاحتمال الآخر فيتمثل في أن هناك مستفيدا آنيا يرغب في الترويج لبضاعة يستوردها، أو يصنعها، وربما الفائدة ليست آنية إنما مؤجلة، وهذه الدراسة مجرد تهيئة ذهنية، وتشكيل لاتجاهات شريحة من المجتمع، لتكون متقبلة للسلعة، بل متلهفة للحصول عليها حين ورودها، أو الانتهاء من تصنيعها، ولو بعد مدة ليست بالقصيرة.

إنشرها