Author

صدمات .. الآثار لن تنتهي قريبا

|

عادة تتدخل الحكومات في الأزمات الاقتصادية الكبرى، حتى المتوسطة التي تسفر عن مشكلات مختلفة في مؤشرات النمو. وهذا التدخل في الواقع يأتي ضمن عملية ما يمكن وصفه بـ"الإنقاذ"، أي أن الحكومة تسرع جهودها من أجل معالجة هذه المؤسسة أو تلك، ليس فقط من أجل منع انهيارها، بل لحماية سمعة البلاد اقتصاديا أيضا.
الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم في عام 2008، وبقيت آثارها حتى اليوم، كانت آخر معضلة اقتصادية تؤكد أن الأزمات تجبر الحكومات على الإنقاذ مباشرة. ويبدو أن الأمر طبيعي، لأن المنظومة الاقتصادية تتأثر بمدى الأضرار التي تلحق بالمؤسسات والشركات في كل القطاعات، علما بأن تكاليف الإنقاذ عادة تكون حزمها ضخمة، ما يبرر مثلا ترك بعض الحكومات عددا من الشركات لمواجهة مصيرها المحتم بالإغلاق، على اعتبار أن دعمها أكثر تكلفة من انهيارها.
الأزمة الاقتصادية التي خلفتها تداعيات فيروس كورونا المستجد، تركت آثارا مخيفة لن تمحى وتنتهي خلال وقت قريب. فصدمات اقتصادية بهذا الحجم تنال من كل شيء على الساحة تقريبا، وتتطلب قرارات وقوانين حتى حكومات جديدة لإزالة آثارها أو لاختصار المدة الكفيلة بعودة مجريات الأمور إلى ما كانت عليه قبلها.
ومن هنا، يمكننا فهم الحالة الاقتصادية الأمريكية بعد أزمة كورونا. والولايات المتحدة التي تتمتع بأكبر اقتصاد على مستوى العالم، تشكل مثالا في هذا الميدان. فقد كانت إدارة دونالد ترمب السابقة، مستعدة فورا للتدخل لدعم المؤسسات والشركات قدر الإمكان، مع انفجار الجائحة العالمية، وإن تلكأت قليلا في الاعتراف بوجود الوباء أصلا. وهذا التلكؤ يمكن فهمه للمحافظة على الأداء الاقتصادي أطول فترة ممكنة، قبل أن تضطر الإدارة إلى إغلاق الحراك الاقتصادي.
ومع إدارة جو بايدن التي "ورثت" الأزمة، كان التدخل الحكومي أوضح وأعمق، بما في ذلك حزم الإنقاذ التريليونية التي استطاعت الإدارة في تمريرها على المؤسسات التشريعية. وتنامى فورا دور الحكومة، ليس في الاقتصاد فحسب بل في السياسة النقدية التي تفضل الاقتصادات المتقدمة أن تكون مستقلة عن المنظومة السياسية. ودفعت الأزمة الاقتصادية الناجمة عن كورونا، مسار العولمة إلى التراجع .. كيف؟ عبر اللجوء إلى خطوط إمداد أقصر، مع زيادة الاعتماد على إنتاج المكونات المحلية. وهذا استدعى بالطبع زيادة المخزون. فخلال الأزمة عانت - ولا تزال - سلاسل الإمداد كثيرا، وواجه العالم نقصا في السلع في كل ميدان تقريبا، ومن الصناعة حتى المواد الغذائية. الأزمة دفعت باتجاه الاعتماد على النفس، ورفعت (دون أن يعترف أحد)، من زخم التوجهات الحمائية.
حقيقة الأزمات أحدثت تغييرات حتى في تسلسل صناعة القرار الأمريكي. ففي العصر الحديث كثر ما يعرف بالقرارات الرئاسية التنفيذية، ويعود السبب في ذلك، إلى أن الإدارة الحاكمة في البيت الأبيض ترغب في أن تمرر قراراتها بسرعة، لتجنب التعطيل أو حتى الرفض أو ضغوط التعديل عليها من المؤسسات التشريعية. وهناك جانب مهم في هذا المجال.
فبعض القرارات المحورية والاستراتيجية لا يمكن أن تترك للإجراءات البيروقراطية التي تستهلك وتضيع الوقت، بينما يتطلب الأمر سرعة بالغة لاحتواء الأزمات عاجلا، وللمضي قدما في توفير الأدوات اللازمة للحلول النهائية. لذلك، تنامى الدور الحكومي في الولايات المتحدة في أعقاب كورونا، وظهوره أكثر في عهد إدارة بايدن الحالية، التي تعتقد أن ترك الأمر مفتوحا على الساحة سيعمق المشكلات أو يعطل الوصول إلى الحلول في الوقت المناسب.

إنشرها