Author

متى وكيف تردع المضاربات على الأراضي؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
تثبت تطورات السوق العقارية المحلية فترة بعد فترة، حاجتها الملحة إلى مزيد من تنفيذ وتفعيل الأنظمة والإجراءات المقررة سابقا - كنظام الرسوم على الأراضي البيضاء -، وحاجتها الملحة أيضا إلى إقرار الأنظمة والإجراءات التي ترفع من كفاءتها وجدواها الاقتصادية والاجتماعية، وتسيرها في الاتجاهات التي تخدم الاقتصاد الوطني وتعزز من استقراره، وتوفر للاقتصاد والمجتمع أعلى درجات الحماية من أي آثار عكسية قد تنتج عن أي ممارسات مخالفة في السوق العقارية المحلية، وعلى رأسها المضاربات حامية الوطيس، كما هو قائم الآن وسط تعاملات السوق التي من أهم آثارها العكسية التسبب في الارتفاع المطرد لأسعار الأراضي خارج جميع العوامل الاقتصادية والمالية، وانتقال عدواها السلبية إلى بقية أحياء المدينة والمدن الأخرى في مراحل زمنية تالية.
يأتي استكمال الحديث عن الأوضاع الراهنة التي تمر بها السوق العقارية المحلية، وعنوانه الرئيس الارتفاعات المتتالية في مستويات الأسعار السوقية لمختلف الأصول العقارية - سكني، تجاري، زراعي، صناعي -، وضرورة العمل المتكامل من قبل الأجهزة الحكومية ذات العلاقة بالسوق على رفع كفاءة السوق العقارية تنظيميا بالدرجة الأولى، والتقدم سريعا في تطبيق جميع الأنظمة والإجراءات المؤدية إلى تلك المستهدفات، وفي الوقت ذاته إقرار ما تتطلبه الحاجة من أنظمة وإجراءات أخرى للوصول إلى المستهدفات نفسها.
من أهم ما تم الحديث عنه سابقا في أكثر من مقام: ارتفاع حاجة السوق العقارية إلى استكمال بقية مراحل نظام الرسوم على الأراضي البيضاء في المدن والمحافظات، سواء تلك التي بدأ فيها تنفيذ المرحلة الأولى قبل ستة أعوام مضت، وأهمية البدء بتنفيذ المرحلتين الثانية والثالثة في أقرب وقت ممكن، قياسا على ما شهدته الأسعار ولا تزال تشهده من ارتفاعات قياسية خلال الفترة الأخيرة، أو تلك في المدن الأخرى التي تم الإعلان عن بدء تنفيذ المرحلة الأولى فيها، وكل ذلك لأجل التحقيق الكامل والشامل لأهداف النظام الثلاثة الرئيسة، المتمثلة في: (1) زيادة المعروض من الأراضي المطورة بما يحقق التوازن بين العرض والطلب. (2) توفير الأراضي السكنية بأسعار مناسبة. (3) حماية المنافسة العادلة ومكافحة الممارسات الاحتكارية.
الجانب الثاني من المعالجات الواجب الأخذ بها: التركيز بدرجة أكبر على منهجية التمويل العقاري الراهنة وضرورة العمل من قبل البنك المركزي السعودي على رفع مستويات حماية المستفيدين من التمويل من أي مخاطر مالية ومعيشية قد يواجهها أي مستفيد، بدءا من إحكام الضوابط المتعلقة بالأقساط المستحقة السداد شهريا، وألا تتجاوز في أقصى حدودها نسبة الـ 30 في المائة من صافي الأجر الشهري الذي يتسلمه المستفيد، وبما يسمح للمستفيد المقترض بالاستفادة من الـ 70 في المائة من صافي دخله للادخار منه والإنفاق على توفير متطلباته المعيشية، وهو الأمر الذي سيخدم بدوره في دائرة أوسع نطاقا الاقتصاد الوطني عموما، والقطاع الخاص خصوصا؛ كونه القطاع المستهدف برفع مساهمته في الاقتصاد الوطني، ويكون صاحب النسبة الأعلى من حيث المساهمة في تلبية احتياجات الاقتصاد والمجتمع من السلع والمنتجات والخدمات.
الجانب الثالث هنا موضوع المقال: أن يتم إقرار الأنظمة اللازمة للحد من تعاملات المضاربة في السوق العقارية المحلية، وهي النمط من التعاملات التي دائما ما يؤدي اتساعها وعلو كعبها في أي سوق مهما كانت إلى الإخلال بمستويات الأسعار، وخروجها عن دائرة العوامل الجوهرية اقتصاديا وماليا، وتسببها في سوء توزيع وتوظيف الثروات والأموال سواء في السوق نفسها، أو على مستوى الاقتصاد الكلي، وهو الأمر الذي دائما ما تحاربه أنظمة الأسواق عموما، كجزء من وظائف الأجهزة المعنية بحماية الأسواق تحت إشرافها، التي تستهدف تنظيمها على أعلى درجات التنظيم من جانب، ومن جانب آخر الحد من أي مخاطر أو ممارسات مخالفة قد تؤثر سلبا في كفاءة تلك الأسواق.
وبالنظر إلى الواقع الراهن للسوق العقارية المحلية، وما تظهره البيانات الرسمية على موقع وزارة العدل بارتفاع قيمة الصفقات على مخطط للأراضي شمال مدينة الرياض “مخطط الخير”، يفتقر إلى جميع الخدمات اللازمة لأي حي سكني، وكيف أنها احتلت الأولى خلال الفترات الزمنية الماضية بين جميع أحياء المدن والمحافظات على مستوى المملكة كأعلى حي تم فيه تنفيذ صفقات عقارية، ولم تقف عند هذا الحد فحسب، بل امتد إلى أن استحوذت قيمة صفقات السكني على نحو عشر قيمة الصفقات العقارية السكني في مدينة الرياض التي جاءت بدورها في المرتبة الأولى بين جميع المدن من حيث الأعلى قيمة للصفقات العقارية، مستحوذة على 81.6 في المائة (20.9 مليار ريال) من إجمالي قيمة صفقات القطاع السكني لإجمالي السوق (25.6 مليار ريال) بنهاية الربع الثالث من العام الجاري، ونظرا لكثافة الصفقات على ذلك المخطط شمال مدينة الرياض، فقد وصلت قيمتها خلال الربع الثالث من العام الجاري إلى أعلى من 1.2 مليار ريال، وإلى نحو 4.1 مليار ريال منذ مطلع العام الجاري حتى نهاية الأسبوع الماضي، وهي المستويات من قيمة الصفقات المنفذة على الأراضي التي تجاوزت بها إجمالي قيمة صفقات القطاع السكني في جميع مدن المملكة باستثناء مدينة جدة.
كان من نتائج ارتفاع تعاملات المضاربة في المخطط أن قفزت مستويات الأسعار السوقية في ذلك المخطط بمعدلات غير مسبوقة ناهزت الـ 700 في المائة خلال أقل من ثلاثة أعوام مضت، وانعكس ذلك بالتأكيد على بقية أحياء المدينة وبقية أحياء المدن الأخرى، عدا العوامل الرئيسة الأخرى التي أسهمت في تضخم الأسعار السوقية لمختلف الأصول العقارية الأخرى من ارتفاع حجم التمويل العقاري، وصولا إلى جمود تطبيق الرسوم على الأراضي عند مرحلته الأولى طوال الأعوام الماضية، وجميع تلك العوامل أسهمت بصورة مباشرة في زيادة تمسك ملاك الأراضي بممتلكاتهم منها، مقلصا من زيادة المعروض منها، نتيجة تصاعد أسعارها شهرا بعد شهر، ومن جانب آخر تزايد انجذاب مزيد من الثروات والأموال على تلك الأراضي، إما بدافع الاستثمار أو بدافع المضاربة، وكل هذا أدى في مجمله إلى تسجيل الأسعار السوقية للأراضي معدلات ارتفاع غير مسبوقة طوال الفترة الزمنية الأخيرة.
إننا أمام أوضاع للسوق العقارية المحلية تستدعي سرعة اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لمعالجتها، والعمل على إعادتها إلى المسار الصحيح الذي يخدم الاقتصاد والمجتمع بالدرجة الأولى، عوضا عن وضعها الراهن الذي يخدم المتاجرين والمضاربين في السوق، وكل ذلك يتم على حساب الاقتصاد الوطني، وحساب كل من القطاع الخاص والباحثين عن تملك الأراضي والمساكن من المستهلكين النهائيين، فهل سيتم اتخاذ تلك التدابير والإجراءات اللازمة قريبا أم أنها قد تتأخر؟
إنشرها