عدم اليقين يحكم قبضته على الأسواق «1 من 2»

في خضم الجائحة الممتدة والمؤلمة يستمر حتى الآن احتواء المخاطر التي يتعرض لها الاستقرار المالي العالمي، لكن نظرا لأن التفاؤل بشأن الاقتصاد بدأ يخبو ومواطن الضعف المالي تزداد كثافة، فإن الوقت قد حان لمعايرة السياسات بدقة. فقد أكدت البنوك المركزية ووزارات المالية والمؤسسات المالية الدولية حول العالم طوال عام ونصف العام تقديم الدعم من السياسات للنمو الاقتصادي بدرجة غير مسبوقة، وعليها الآن أن تضع استراتيجيات تتعامل بشكل آمن مع المرحلة التالية من التحرك على مستوى السياسات النقدية والمالية.
وتدرك البنوك المركزية ذات الأهمية النظامية أن أي عواقب غير مقصودة لما تتخذه من إجراءات قد تعرض النمو للخطر، وربما تؤدي إلى تصحيحات مفاجئة في الأسواق المالية العالمية. وهناك درجة مرتفعة للغاية من عدم اليقين، خصوصا بسبب الأجواء المتأثرة بالجائحة المزمنة، حيث يواجه المجتمع التحديات الكامنة في المؤثرات الثلاثة: كوفيد - 19، والأصول المشفرة، وتغير المناخ، كما نطرح بالنقاش في أحدث إصدار من تقرير الاستقرار المالي العالمي.
وحول انحسار حالة التفاؤل فقد ساعد الدعم الكبير للاقتصاد من السياسات النقدية والمالية في 2020 و2021 على الحد من الانكماش الاقتصادي الذي بدأ مع ظهور الجائحة، ما أسهم خلال الجزء الأكبر من العام الحالي في دعم التعافي الاقتصادي القوي. وفي عديد من الاقتصادات المتقدمة، تيسرت الأوضاع المالية منذ الشهور الأولى من الجائحة. لكن حالة التفاؤل التي شكلت دافعا للأسواق في النصف الأول من العام مهددة بالانحسار.
وأصبح المستثمرون يشعرون بقلق متزايد إزاء آفاق الاقتصاد في خضم تزايد عدم اليقين بشأن مدى قوة التعافي. وأدى التباين في فرص الحصول على اللقاحات وتحور فيروس كوفيد - 19 إلى حدوث طفرة جديدة في الإصابات بالعدوى، ما عزز المخاوف بشأن احتمال زيادة التباعد في الآفاق الاقتصادية بين الدول. وتجاوزت قراءات التضخم مستوياتها المتوقعة في دول عديدة. وأدت أوجه عدم اليقين الجديدة في بعض الاقتصادات الرئيسة إلى وضع الأسواق في حالة من التأهب. ونشأت هذه الأجواء الجديدة من عدم اليقين نتيجة مواطن الضعف المالي التي قد تؤدي بدورها إلى زيادة مخاطر التطورات المعاكسة، والتزايد الحاد في أسعار السلع الأولية، وعدم اليقين بشأن السياسات.
وأدى تراجع مزاج الأسواق منذ صدور عدد نسيان (أبريل) 2021 من تقرير الاستقرار المالي العالمي إلى تراجع العائدات الاسمية العالمية طويلة الأجل بصورة ملحوظة أثناء الصيف، نتيجة هبوط أسعار الفائدة الحقيقية، وهو ما يعكس المخاوف حيال آفاق النمو على المدى الطويل. لكن في أواخر أيلول (سبتمبر)، أدى قلق المستثمرين بشأن الضغوط التضخمية إلى دفع العائدات نحو الارتفاع، حيث أصبح هناك اعتقاد بأن الضغوط السعرية قد تستمر لفترة أطول مما كان متوقعا في البداية في بعض الدول، ما أدى إلى محو أثر التراجعات السابقة.
وإذا قرر المستثمرون في أي لحظة إعادة تقييم آفاق الاقتصاد والسياسات بشكل مفاجئ، فقد تتعرض الأسواق المالية لصدمة مفاجئة نتيجة إعادة تسعير المخاطر، وهو ما قد يقترن، حال استمراره بمواطن الضعف الكامنة، ما يؤدي إلى تشديد الأوضاع المالية. وهذا بدوره قد يعرض النمو الاقتصادي للخطر.
ويتعين كذلك إحكام الرقابة على المخاطر في عدد من المجالات الرئيسة الأخرى. فأسواق الأصول المشفرة تشهد نموا سريعا ولا تزال أسعار هذه الأصول متقلبة للغاية. ورغم أن المنظومة البيئية المشفرة لا تشكل مخاطر نظامية على الاستقرار المالي حتى الآن، ينبغي إحكام الرقابة على المخاطر بسبب الانعكاسات النقدية العالمية وعدم كفاءة الأطر التشغيلية والتنظيمية في معظم الدول، ولا سيما في اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية. وبالمثل، ففي الوقت الذي يواصل فيه العالم السعي لإيجاد وسائل للتعجيل بالتحول إلى اقتصاد يتسم بمستوى منخفض من الانبعاثات لتجنب التداعيات السلبية لتغير المناخ على الاستقرار الاقتصادي والمالي... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي