Author

المتانة المالية للميزانية العامة للربع الثالث 2021

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
أعلنت وزارة المالية، مطلع الأسبوع الجاري، نتائج الميزانية الفعلية ربع السنوية للربع الثالث من العام الجاري، بارتفاع إيجابي للربع الخامس على التوالي لإجمالي الإيرادات الحكومية، مسجلة نموا سنويا وصلت نسبته إلى 12.9 في المائة، مقارنة بحجمها خلال الربع نفسه من العام الماضي، لتستقر مع نهاية الربع عند مستوى 243.4 مليار ريال، مدفوعة بالدرجة الأولى من النمو القياسي المتحقق للإيرادات النفطية، التي سجلت نموا سنويا وصلت نسبته إلى 59.8 في المائة، وصلت على أثره إلى نحو 148 مليار ريال "شكلت نحو 60.8 في المائة من إجمالي الإيرادات". في المقابل، سجلت الإيرادات غير الأخرى للفترة نفسها انخفاضا سنويا بنسبة 22.4 في المائة، لتستقر مع نهاية الربع الثالث عند مستوى 95.4 مليار ريال "شكلت نحو 39.2 في المائة من إجمالي الإيرادات".
أما على جانب المصروفات الحكومية، فقد سجلت انخفاضا سنويا بنسبة 7.7 في المائة، واستقرت مع نهاية الربع عند مستوى 236.7 مليار ريال، وتوزعت أسباب انخفاضها على كل من المصروفات الجارية والرأسمالية دون استثناء، حيث سجلت المصروفات الجارية انخفاضا سنويا بنسبة 6.4 في المائة، لتستقر مع نهاية الربع الثالث عند مستوى 209.5 مليار ريال "شكلت نحو 88.5 في المائة من إجمالي المصروفات"، كما انخفضت المصروفات الرأسمالية بمعدل أكبر مقارنة بالمصروفات الجارية، وسجلت انخفاضا سنويا بنسبة 16.3 في المائة، استقرت بدورها عند مستوى 27.2 مليار ريال، وهو الجانب من الإنفاق الحكومي المخطط ألا يتجاوز خلال العام المالي الجاري سقف 101 مليار ريال، والاعتماد الأكبر في هذا الخصوص على الإنفاق الاستثماري المخطط له من قبل صندوق الاستثمارات العامة، وبالنظر إلى إجمالي ما تم إنفاقه ضمن هذا البند (الإنفاق الرأسمالي) طوال الثلاثة أرباع الماضية البالغ حجمه نحو 64 مليار ريال، فمن المقدر ألا يتجاوز حجم الإنفاق عليه خلال الربع الرابع من العام الجاري سقف 37 مليار ريال.
أثمرت التطورات المالية للميزانية خلال الربع الثالث الماضي عن تسجيل أول فائض مالي منذ الربع الأول 2019، الذي بلغ 6.7 مليار ريال مع نهاية الربع الثالث 2021، وليصل بذلك إجمالي العجز المالي عن الثلاثة أرباع الماضية من العام الجاري إلى نحو 5.4 مليار ريال فقط، وهو ما يعني تسجيله انخفاضا سنويا قياسيا مقارنة بالعجز المالي للفترة نفسها من العام الماضي بنسبة بلغت 97.1 في المائة، كما يعني أيضا في حال استمر تحسن الأوضاع المالية على أوضاعها الراهنة حتى نهاية العام المالي الجاري، فهذا يشير بنسبة كبيرة جدا إلى ابتعاد تحقق العجز المالي الذي تم تقديره في الميزانية التقديرية نهاية العام الماضي، الذي سبق تقديرها سابقا بنحو 141 مليار ريال، ويمكن في ضوء الالتزام عالي النسبة بكفاءة الإنفاق التي أظهرتها المالية العامة منذ مطلع العام الجاري حتى تاريخه، واستمرار إحكام السيطرة على حجم الدين العام عند مستوياته الراهنة، إضافة إلى أهمية محافظة أسعار النفط العالمية على مستوياتها الجيدة خلال الفترة الراهنة، يمكن الوصول إلى ما أشار إليه البيان التمهيدي الأخير الصادر عن وزارة المالية بخفض العجز المالي إلى ما دون 85 مليار ريال، بحجم إجمالي إيرادات متوقع يصل إلى نحو 930 مليار ريال، مقابل حجم إجمالي مصروفات متوقع يتجاوز 1.0 تريليون ريال، كما أنه سيكون ممكنا ومحتملا بنسبة مرتفعة - بتوفيق الله - الوصول مع نهاية العام المالي الجاري إلى ميزانية متعادلة بحال استمرت الأوضاع الجيدة الراهنة، وقد تتحسن البيانات الفعلية للميزانية إلى ما هو أفضل من ذلك، وكل ذلك في مجمله يعد أمرا إيجابيا في جميع مستوياته السابقة، التي يمكن قطف ثمارها نتيجة ارتفاع كفاءة الإنفاق بالدرجة الأولى، إضافة إلى نجاح السياسات والبرامج المالية التي استهدفت رفع حصيلة الإيرادات الأخرى غير النفطية طوال أكثر من خمسة أعوام مضت، تمكنت خلالها من تحقيق متوسط نسبة ارتفاع راوح بين 15 و18 في المائة بمعدل سنوي.
بالنظر إلى منهجية السياسة المالية طوال العامين الماليين الأخيرين، ودورها التحفيزي الكبير الذي بدأته بالتزامن مع تداعيات الجائحة العالمية لكوفيد - 19 خلال العام الماضي، واستمرارها بنمطية أكثر تركيزا خلال العام الجاري، اتجهت نحو تحفيز الأنشطة الاقتصادية ذات الأهمية الأكبر على مستوى دعم النمو الاقتصادي وزيادة التوظيف ومعدلات التوطين في القطاع الخاص، وحافظت في مجملها على تعزيز الدور التنموي للإنفاق الحكومي في الاقتصاد الوطني، ودون الذهاب بعيدا عن سياسات كفاءة الترشيد في الإنفاق والحوكمة، ما جنبها بدرجة كبيرة جدا الوقوع في معدلات مرتفعة من الدين العام، كانت ستسبب إما مزاحمة القطاع الخاص على الائتمان المحلي، أو زيادة حجم بنود خدمة الدين العام بصورة سنوية من الميزانية العامة، وهو ما نجحت فعلا في مضماره السياسة المالية، وتمكنت من تجاوز عقباته بصورة لافتة، وأثبتت حتى تاريخه قدرتها الناجحة على عبور التحديات التي نشأت عن تداعيات الجائحة العالمية وما تلاها من تحديات بحمد الله، ودون التأخر عن توفير التحفيز اللازم والنوعي لأنشطة الاقتصاد الوطني، وهو ما أظهرته المؤشرات الاقتصادية المختلفة، بنمو حقيقي للاقتصاد الوطني وصل إلى 1.8 في المائة، نمو القطاع الخاص بمعدل حقيقي بلغ 11.1 بنهاية الربع الثاني من العام الجاري، إضافة إلى ارتفاع حجم التجارة الخارجية خلال أول ثمانية أشهر من العام الجاري بنسبة سنوية بلغت 33.7 في المائة "ارتفاع إجمالي الصادرات بنسبة 51.1 في المائة، ارتفاع الواردات بنسبة 12.2 في المائة"، إضافة إلى ارتفاع توطين الوظائف للموارد البشرية الوطنية، وانخفاض معدل البطالة بينهم إلى 11.3 في المائة بنهاية الربع الثاني من العام الجاري، مقارنة بمعدله 15.4 في المائة خلال الربع نفسه من العام الماضي، وغير ذلك من المؤشرات الاقتصادية المهمة، التي سارت في مجملها - بحمد الله - في اتجاهات إيجابية وملموسة، ويؤمل استمرارها في ظل السياسات والبرامج التطويرية والإصلاحية الراهنة.
إنشرها