Author

توكل لا تواكل

|
في اللغة العربية مرادفات تدل على ثراء هذه اللغة وقوتها، بل إن بعض الكلمات لها الأحرف نفسها، ولكن تتباين كثيرا في معانيها ومقاصدها. حين النظر إلى مفردتي التوكل والتواكل نجد أن الفرق بينهما كتابة هو وجود حرف واحد، على حين أن المعنى يختلف بينهما اختلافا كبيرا، وهو ما يخفى أو يلتبس على بعض الناس. فالتوكل هو فاعلية وحيوية وعطاء على حين أن التواكل كسل وخمول وتقاعس. التوكل أمر محمود ومرغب فيه، مكانه القلب، دعا إليه الشارع، ويقصد به الاعتماد على الله سبحانه وتعالى في حصول النتائج وفيما ستؤول إليه الأمور، ولكن بعد الأخذ بالأسباب، (وعلى الله فليتوكل المؤمنون)، (إن الله يحب المتوكلين). الرسول عليه الصلاة والسلام أخذ بالأسباب حين لجأ إلى الغار، وفي الوقت نفسه كان متكلا على الله حق التوكل حيث طمأن صاحبه لما قال، يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا قائلا، "ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما".
أما التواكل فهو انتظار تحصيل النتيجة دون الأخذ بالأسباب، ومن هنا يتضح أن التواكل مناقض للتوكل حيث لا يفعل معه الإنسان شيئا سوى التمني دون عمل والانتظار دون سعي. عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول "لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق، يقول اللهم ارزقني وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة". ويتضح ذلك في قصة الرجل الذي جاء للرسول - صلى الله عليه وسلم - يسأله عن ناقته، أأعقلها أم أتوكل؟، قال "اعقلها وتوكل". فالتوكل يجمع بين أمرين أولهما الاعتماد على الله والثقة به والإيمان أن تدبير الأمور بيده والثاني اتخاذ الأسباب، مع الأخذ في الحسبان أنه ينبغي ألا يركن الإنسان -ولا بحال من الأحوال- إلى الأسباب وحدها مهما كانت متقنة وقوية، فمسبب الأسباب قادر على تعطيلها إذا لم يعتمد عليه أساسا.

توكل على الرحمن في كل حاجة
ولا تتركن الجد في شدة الطلب
ألم تر أن الله قال لمريم
وهزي إليك الجذع يساقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزه
جنته ولكن كل شيء له سبب
إنشرها