وحوش إعلامية

يطغى في هذه الأيام طلاق أحد المشاهير أو زواج آخر وخلافاتهم التافهة على كل وسائل التواصل الاجتماعي، والمؤسف أن تتلقف بعض القنوات ذات الثقل الإعلامي مثل هذه الأخبار وتستضيف في برامجها شخصيات بلا تاريخ ولا إنجازات سوى كلمة يرددونها، ما أدى بالسواد الأعظم منهم إلى اعتبار أنفسهم أبطالا لا يشق لهم غبار، وأصبحوا يمشون على السجاد الأحمر، بينما أشخاص ذوو إنجازات عظيمة لم تتم استضافتهم ولا حتى الإشارة إلى إنجازاتهم الحقيقية ولو بخبر صغير، وأسهم الجميع في صناعة وحوش زائفة لها تأثير قاتل في المجتمعات والشعوب حتى الاقتصاد، وهذا الأمر ليس بجديد فقد غطت ما تسمى بالأحداث الساخنة على الأحداث الجسام ذات المغزى الفعلي!
حين طغى خبر موت قاتل إبراهام لنكولن جون ويلكس في عام 1865 أثناء محاولة القبض عليه، على خبر حدوث أسوأ كارثة بحرية التي حدثت بعد مقتله بيوم عندما انفجرت الباخرة سلطانة وغرقت في نهر المسيسيبي، كانت السلطانة تنقل الركاب والبضائع بانتظام بين نيو أورلينز وسانت لويس، صممت سلطانة لتقل 376 راكبا فقط، لكن يوم احتراقها، كانت تقل 2137 راكبا وبسبب زيادة الحمولة وتيار النهر انفجرت السفينة ونشب حريق هائل أودى بحياة 1168 شخصا!
وفي عام 1947، حدثت كارثة صناعية في ميناء خليج جالفستون على ساحل خليج تكساس، حيث انفجرت سفينة تحتوي على نترات الأمونيوم، قتلت 581 شخصا وجرحت 3500، لكن طغت أخبار انضمام لاعب البيسبول جاكي روبنسون كأول لاعب أمريكي من أصل إفريقي لدوري البيسبول ـ بعد أن كان حكرا على البيض ـ وكسره حاجز الألوان على أخبار الكارثة البشرية رغم أنه انتصار للسود وكسر لما يعرف باتفاقية السادة أو خط الألوان!
كما ضجت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لأيام وشهور بخبر وفاة ستيف جوبز رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة أبل، وغطت تماما على وفاة دينيس ريتشي الذي توفي بعدها بأسبوع رغم أنه صاحب الفضل في كل ما وصلت له أجهزة أبل، فقد اخترع لغة البرمجة سي وصمم نظام التشغيل يونكس!
وطغى فوز نيلسون مانديلا في الانتخابات العامة لجنوب إفريقيا إعلاميا على خبر أو فاجعة الإبادة الجماعية في رواندا، التي راح ضحيتها 800 ألف شخص على أيدي المتطرفين الهوتو خلال 100 يوم فقط منتصف عام 1994!
إنها قضية تحتاج إلى مختصين في علم النفس والاجتماع لمناقشتها ومعالجتها ووقف زحف وسيطرة مثل هذه الأخبار على وسائل الإعلام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي