default Author

الحكومات وقدرتها على تحمل الدين العام "3 من 3"

|
يمكن أن يرى أثر الصدمات التي يتعرض لها النمو طويل الأجل على الحذر المالي في كل من فترة منتصف القرن الـ 19 وأخيرا في الفترة 1970 ـ 2000. وأن متوسط الميزان الأولي "الخط الأحمر" مقابل متوسط مفاجأة النمو "الخط الأخضر". ويشير وجود مفاجأة سلبية للنمو "أي: حين يكون الخط الأخضر أقل من صفر" إلى أن النمو طويل الأجل الفعلي أصبح في واقع الأمر أقل مما توقعه صانعو السياسات على أساس البيانات المتاحة لهم في الوقت الحقيقي. ولا يعزى ذلك إلى انخفاض النمو الدوري على ما يسمى بأدوات الضبط التلقائي، مثل الإيرادات التي تنخفض حين يتباطأ النشاط الاقتصادي، والنفقات الحساسة للأنشطة الدورية مثل إعانات البطالة. بل تعزى إلى خطأ صانعي السياسات في تصوراتهم أن تراجع النمو طويل الأجل هو تباطؤ دوري وفي استجابتهم له بإرخاء سياسة المالية العامة أو عدم تشديدها بالقدر الكافي.
وفي ستينيات القرن الـ 19 ومنتصف سبعينيات القرن الـ 19، توافقت مفاجآت النمو السلبية مع وقوع حرب أهلية أو حروب للتوحيد "مثلا، في الولايات المتحدة وإيطاليا"، وقوة الهجرات من بعض أجزاء أوروبا "مثلا، السويد"، وحالات الذعر المالي. وأدت الأزمة المالية التي وقعت عام 1873 إلى حدوث ركود طويل الأمد عد آنذاك أصعب فترة اقتصادية على الإطلاق. وكان العجز المسجل في متوسط الموازين الأولية يتبع مفاجأة النمو هذه بصورة وثيقة.
ولا يختلف ذلك عما حدث في سبعينيات القرن الـ 20، حيث تبين أن مفاجآت النمو السلبية الناشئة عن الارتفاع المفاجئ في أسعار النفط ترتبط بتدهور في الموازين الأولية. ويظهر هذا الأثر بوضوح شديد في اليابان، حيث تباطأ النمو الاقتصادي بدرجة كبيرة في منتصف السبعينيات، عقب فترة من النمو الاقتصادي السريع. ويبدو أن صانعي السياسات في اليابان قد بنوا قراراتهم في سياسة المالية العامة على تنبؤات متفائلة بحدوث نمو اقتصادي طويل الأجل، وعلى اعتقاد بأن التباطؤ غير المتوقع في النمو الاقتصادي كان مؤقتا. وربما يكون سوء التصور هذا قد أدى إلى قرارات في سياسة المالية العامة، تبدو من منظور استرجاعي مسرفة، ما أسفر عن ارتفاع مستويات الدين وزيادة العجز في الميزان الأولي في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات. ووقع تسلسل مشابه للأحداث في اليابان في أواخر التسعينيات مع انفجار ما تبين لاحقا أنه فقاعة في أسعار الأصول.
وفي الأسواق الصاعدة، تعرض النمو طويل الأجل لصدمات عكسية كبيرة في أواخر الثمانينيات، وكذلك بشكل خاص في أواخر التسعينيات، وخلال كلتا الفترتين، تدهورت موازين المالية العامة الأولية لتلك الدول بصورة كبيرة. وبشأن ارتفاع تكاليف الإقراض وتباطؤ النمو الاقتصادي نلاحظ زيادة الحذر في سياسة المالية العامة نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة. فخلال الفترة الأولى من العولمة، من عام 1880 إلى عام 1913، توافق حدوث فوائض كبيرة في الموازين الأولية في بادئ الأمر مع ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية طويلة الأجل. وارتبط انخفاض أسعار الفائدة بعد عام 1900 بانخفاض في متوسط ميزان المالية العامة الأولي. وخلال الفترة 1970 ـ 1990، ارتبطت الزيادة في أسعار الفائدة الحقيقية طويلة الأجل بتشديد حاد للسياسة النقدية في الولايات المتحدة، تبعه تحسن في الموازين الأولية.
واتساقا مع تأثير التطورات العالمية في مفاجآت النمو وأسعار الفائدة في الأجل الطويل، يتسم بعض فترات التاريخ بانتهاج أعداد كبيرة من الدول لسياسات حذرة أو مسرفة نسبيا. بنظرة عامة عريضة على فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، تبين عدد الاقتصادات المتقدمة التي انتهجت سياسة مسرفة في المالية العامة كل عام إلى جانب المتوسط المرجح للدين الحكومي والميزان الأولي "كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي" لديها. وخلال خمسينيات وستينيات القرن الـ 20، قامت الاقتصادات المتقدمة بخفض مستويات الدين لديها بالحفاظ على فوائض معتدلة في الميزان الأولي "والاستفادة من النمو الاقتصادي السريع وأسعار الفائدة المعتدلة". وتحسنت درجة الحذر مع تلاشي آثار الحرب العالمية الثانية.
إنشرها