الحكومات وقدرتها على تحمل الدين العام «1 من 3»

أصبحت مسألة ما إذا كانت الحكومات تتخذ حاليا تدابير كافية لضمان استمرارية قدرتها على تحمل الدين العام، مسألة مهمة من مسائل السياسة العامة مع ارتفاع الدين السيادي إلى مستويات غير مسبوقة في أوقات السلم. وغالبا ما تقتضي الحقائق السياسية وضعف النمو الاقتصادي تأخير خفض الإنفاق أو زيادة الضرائب، إلا أن ارتفاع عبء أسعار الفائدة أو احتمال تصاعدها، يمكن أن يكون سببا يدعو إلى القيام بالعكس، أي: ضبط أوضاع المالية العامة، بزيادة الإيرادات، أو خفض الإنفاق، أو كليهما.
فهل تقوم الدول بما يكفي لخفض العجز، الذي تسجله استجابة لزيادة نسب الدين إلى إجمالي الناتج المحلي لديها؟ وهل تتسم سياسات المالية العامة “الضرائب والإنفاق” بقدر كاف من الحذر؟ أو هل تتصرف الدول في الوقت الحالي بإسراف؟ وهل يمكن تقييم الحذر أو الإسراف في سياسات المالية العامة بناء على معايير تجريبية؟ لا يمكن أن تستند الإجابات عن هذه الأسئلة إلى بيانات عام واحد أو حتى أعوام قليلة. بل إنها تتطلب منظورا أطول أجلا، وتدعو إلى الخوض في أجزاء مبهرة من التاريخ الاقتصادي.
اعتمد الاقتصاديون بصورة متزايدة على بيانات تاريخية لتحليل قضايا المالية العامة. وعلى سبيل المثال، يقوم أستاذان من جامعة هارفارد، هما البروفيسورة كارمن راينهارت، والبروفيسور كينيث روجوف، في دراسة لهما بعنوان This Time Is Different “هذه المرة مختلفة”، باستعراض ثمانية قرون مضت من الدين العام وأزمات المالية العامة. وقمنا في دراسة أجريناها أخيرا بفحص قرارات لسياسة المالية العامة في 55 بلدا خلال الفترة 1800 ـ 2011 Mauro and others, 2013 باستخدام أشمل مجموعة من البيانات القطرية المقارنة التي جرى تجميعها حتى الآن.
وخلصنا، على سبيل المثال، إلى أن السلطات تخطئ غالبا في تصور أن حدوث تراجع مستمر في النمو الاقتصادي ليس إلا حالة مؤقتة من هبوط النشاط الاقتصادي، ونتيجة لسوء التصور هذا، تكون استجابتها غير مناسبة. وخلصنا أيضا إلى أن حذر الحكومات يزداد حين تواجه تكاليف مرتفعة على الاقتراض. وتوضح البيانات أن الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية التي بدأت عام 2008 أسفرت عن أكبر عجز تسجله الحكومات في أوقات السلم على مر التاريخ.
يتيح توافر البيانات، ليس فقط عن أرصدة المالية العامة “مقدار الدين في وقت معين، مثلا” وإنما أيضا عن تدفقات المالية العامة “العجز، الذي يغير رصيد الدين”، وبصورة حاسمة عن عناصرها الفرعية “الإيرادات، والنفقات غير الفوائد، وفاتورة الفائدة” تطبيق اختبارات حديثة لاستمرارية القدرة على تحمل الدين. وتركز هذه الاختبارات عادة على ميزان المالية العامة الأولي “الفرق بين إيرادات الحكومة ونفقاتها غير الفوائد”، الذي يمثل أدق انعكاس لقرارات سياسة المالية العامة ضمن سيطرة الحكومة.
وتتيح سلاسل البيانات الأطول ووجود مجموعة أكبر من الدول إمكانية تطبيق طرق إضافية من طرق الاقتصاد القياسي. وتقيس الدراسة درجة الحذر أو الإسراف المالي لكل بلد على مدار تاريخه. وتحدد أيضا العوامل التي تحدث على أساسها التغيرات في درجة الحذر أو الإسراف المالي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي