Author

هل الطفرة الحالية في أسعار النفط مستدامة؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد
في منتصف تموز (يوليو) الماضي كتبت مقالا في صحيفتنا "الاقتصادية" حول أسعار النفط وما تتوقعه الأسواق من تباينات، وفيه جرى التأكيد على أن النفط باق بزوال الجائحة أو عدمه.
وفي المقال ذاته كان هناك تحليل على أن منجمي أسعار النفط لن يفلحوا حتى إن صدقوا مرة أو مرتين.
هناك درسان في مسيرة النفط رافقاه منذ استكشافه وتصديره على نطاق واسع من الحقول الشرق الأوسطية، الأغنى في العالم من حيث الاحتياطيات، وذلك في مستهل القرن الـ20. وكل درس بمنزلة ناقوس لما ستخبئه الأيام. المعضلة تكمن في أننا من النادر أن نستشعر قرع الناقوس.
الدرس الأول يتمثل في الطفرات التي ترافق الأسعار، وهنا نستذكر مستهل السبعينيات (1973) من القرن الماضي حيث قفزت الأسعار بشكل لم تعهده هذه المادة الاستراتيجية إثر قرار عربي قادته السعودية لوقف تصدير النفط. القرار في حينه كانت له بصمات سياسية لتعزيز الموقف العربي في الحرب بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.
ومنذئذ شهدنا طفرات عديدة في الأسعار منها في عامي 1979 و2002 وآخر طفرة كبيرة كانت في النصف الأول من عام 2008 حيث لامس سعر برميل خام برنت 150 دولارا، وهو أعلى سعر في تاريخ صناعة النفط الخام.
الدرس الآخر يتمثل في تقهقر الأسعار، وهنا نستذكر مستهل الثمانينيات من القرن الفائت والانهيار الكبير في منتصفها، والمستويات المتدنية جدا التي بلغتها في عامي 2014 و2015 وآخرها في مطلع 2020 حيث تحولت العقود الآجلة إلى سلبية لأول مرة في التاريخ.
ونشهد حاليا طفرة جديدة في الأسعار حيث فاقت في الأسبوع الماضي 80 دولارا للبرميل الواحد. السؤال: هل هذه الطفرة، غير المتوقعة وبشهادة كثير من المراقبين، ستدوم أم أنها آنية شأنها شأن الطفرات السابقة؟
وعندما نتحدث عن استدامة الأسعار، نأخذ أيضا تقهقرها في الحسبان. النفط شأنه شأن أي مادة تجارية أخرى عرضة للتقلبات. وإن كنا نمر بفترة هبطت فيها الأسعار بشدة - وهذا كان الواقع قبل بضعة أشهر - كان يحق لنا أيضا إثارة سؤال حول استدامة تقهقر الأسعار من عدمها.
هناك طرائق عديدة يستخدمها الباحثون والمختصون في شؤون النفط للتنبؤ بمسار الأسعار، وأكثرها شيوعا وربما قبولا في الأوساط الصحافية والإعلامية ما يتخذ من الرسوم البيانية لأسعار النفط على مدى العقود الماضية دليلا للمستقبل القريب وربما البعيد منه.
وخذ أي رسم بياني ليس لأسعار النفط فحسب بل لأي مادة تجارية أخرى، سترى تذبذبا من فترة لأخرى استجابة لظروف مختلفة بعضها له علاقة بالعرض والطلب والآخر بالشؤون الجيوسياسية؛ ومنها ما له علاقة بالاستثمار وأخرى ما لم يدر في خلد أمهر المنجمين – والأثر الذي تركته الجائحة على الهبوط الحاد في الأسعار قبل عام وعلى طفرتها الحالية خير دليل.
وهذه الشؤون والقضايا ذات التأثير المباشر في الأسعار لا تفلت منها أي سلعة تجارية في العالم، وانظر ماذا حل في سلاسل توريد رقائق الحاسوب وأشباه الموصلات، حيث أدى النقص في الإنتاج الذي يعزى إلى الجائحة إلى ارتفاع حاد في الأسعار وإلى تعطيل أو عدم المقدرة على تلبية طلبات أغلب المنتجات الذكية في العالم.
تركيز الصحافة العالمية على الطفرة الحالية في أسعار النفط في محله، واحتلال المعدلات العالية للأسعار الصدارة في الأخبار العالمية والمحلية في محله أيضا.
النفط ليس حاجة آنية، بل مادة استراتيجية فعلى المستوى الشخصي أستطيع العزوف عن شراء آيفون 13 الذي أطلقته شركة أبل أخيرا، ولكن لا أستطيع الاستغناء عن السيارة أو دفع حق بطاقة النقل العام أو فاتورة التدفئة في شتاء السويد شديد البرودة.
من هنا، صارت أسعار الكهرباء والبنزين حديث الساعة في الغرب مع قدوم شتاء يتوقع له أن يكون قارسا. لا شك، أن الطفرة الحالية مثار مشاعر متناقضة فيما بين المنتجين والمستهلكين.
ولكن الطفرة الحالية غير مستدامة، أي آيلة للتغيرات عاجلا أم آجلا، هذه مسيرة النفط وأسعاره منذ تحوله إلى مادة تجارية واستراتيجية في العالم.
إنشرها