Author

هل العملات المشفرة ممنوعة حقا؟

|

اقتصادي في السياسات الاقتصادية وإدارة استراتيجيات الأعمال والشراكات الاستراتيجية.

سوق العملات المشفرة بلغت تريليوني دولار، ولعل ما يقلق البنوك المركزية حول العالم أن العملات المشفرة لا تتمتع بدرجة كافية من الإفصاح والشفافية، إضافة إلى تقلباتها الشديدة التي تقلص من حماية حقوق المستهلكين للخدمات المالية، إضافة إلى الاحتمالات الناشئة من التهرب الضريبي وتمويل الإرهاب وغسل الأموال وإضعاف السياسات النقدية والمالية التي تفرضها البنوك المركزية لغايات النمو الاقتصادي، وفي الوقت ذاته لها تأثير في سيادة الدول على عملاتها الوطنية والنقد الأجنبي الخاص بها؛ كالتأثير في حركة السيطرة على تدفق النقد وأسعار الصرف من خلال تحويل العملات وتبديلها بعملات مشفرة من المضاربين على أساس نقدي وليس سلعيا؛ ما قد يؤدي إلى اختلالات في بيانات ميزان المدفوعات المالية وأسعار الصرف، ولا سيما في الدول الناشئة التي لا تملك أنظمة أموال تحويل داخلية متطورة.
وفي مقابل تلك التحديات والمخاطر لا يمكننا تجاهل الدوافع التي تجعل الشركات والأفراد ينساقون نحو العملات المشفرة، إذا كان التحويل والتسوية في التحويلات البنكية الدولية SWIFT يستغرقان أياما فإن استخدام العملات المشفرة في التحويل والتسوية يستغرق ثواني عبر الحدود بين الدول وهذا يبدو متطلبا منطقيا مع التطور الهائل في الاقتصاد الافتراضي وتطور شركات التقنية المالية التي قد تمثل الجيل الجديد من البنوك إذا ما تقدم العالم في استخدام العملات المشفرة المركزية واللامركزية، ثم إن انتشار العملات المشفرة سيلغي حتما البنوك الوسيطة وتصبح التعاملات المالية بلا وسطاء peer to peer.
مواقف الدول متباينة من العملات المشفرة ما بين المنع وما بين التجاهل وأخرى تراقب المشهد العالمي وتنتظر ما ستؤول إليه التجاذبات العالمية، فمثلا بريطانيا تتعامل مع العملات المشفرة كخدمة أو سلعة خاضعة للضريبة دون أن تكون لها قيود أو منع مباشر، وهناك دول تتعامل على أنها حلول دفع ذات تكاليف رخيصة وأخرى تمنعها تماما، وفي الوقت الذي تمنع أو تتجاهل بعض الحكومات، تقوم بإصدار عملات مشفرة مركزية تابعة للبنك المركزي.
أخيرا: أمام ذلك التباين اتفق الجميع على أن مخاطرها عالية والمخاوف الأمنية مرتفعة، إلا أن المشهد العالمي يوحي أن العملات المشفرة ستكون واقعا وبدرجات متفاوتة بحسب تراخي وتشدد الدول، ولهذا فإن صناع السياسات الاقتصادية والمالية أمام خيارين، الأول: عرقلة ومقاومة اتجاه العملات المشفرة، بهدف حماية أدوات السياسة النقدية والمالية التقليدية ونستبعد ذلك على المدى الطويل، أما الخيار الثاني فهو الانفتاح على جيل العملات المشفرة بحذر وتدرج، لأن ذلك منطقي ويتوافق مع خصائص الاقتصاد الافتراضي والأسواق الإلكترونية العابرة للحدود.
ولمعالجة ما ستحدثه تلك الاتجاهات من ضعف للسياسات المالية والنقدية، فإن العالم معني بالبحث عن أدوات جديدة لإدارة النمو الاقتصادي وتطوير أدوات حوكمة وسياسات رقابية وتنظيمية جديدة للتحديات التي تهدد النظام النقدي العالمي من خلال تعاون دولي شامل وتحقيق الاستقرار المالي بطرق جديدة ومبتكرة.
إنشرها