أم الوزارات.. كيف بدأت وإلى أين وصلت في عهد الرؤية؟
86 عاما تفصل بين قرارين مفصليين في تاريخ وزارة المالية السعودية: الأول، عام 1351هـ، بإمضاء الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود وتحويلها من وكالة إلى وزارة. والآخر، في الألفية الجديدة، وتحديدا في عام 1437، باعتماد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ومتابعة وتنفيذ ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، الذي يقضي بتولية الوزارة المعروفة لدى السعوديين بـ "أم الوزارات" بالمشروع الأهم للاقتصاد السعودي على مدار تاريخها، وهو تنويع مصادر الإيرادات.
ومن زمن عبدالله بن سليمان الحمدان؛ الوزير الأول للملك المؤسس الذي قضى نحو 22 عاما على هرم الوزارة، يشاركه الوزير السابق الدكتور إبراهيم العساف؛ في مدة تولي المنصب، إلى عصر محمد الجدعان؛ الوزير الحالي، شهدت "المالية" تغيرات وتحولات وتطورات في مصادر الإيرادات، بدءا من اعتمادها على الحج والعمرة عند بداية تأسيس البلاد، مرورا بعصر النفط الراهن، وصولا إلى عصر المبادرات الرقمية المستقبلي. وكما يقول المثل: "كل الطرق تؤدي إلى روما"، فيمكن القول إن "كل الإيرادات تؤدي إلى المالية".
وتعاقب على الوزارة طوال ثمانية عقود 13 وزيرا، من أبرزهم الملك فيصل بن عبدالعزيز؛ الذي تولى مهامها ثلاثة أعوام، إذ يعد الملك الوحيد الذي تولى المنصب، ولكن أشهرهم في أذهان جيل الثمانينيات والتسعينيات الميلادية من القرن الماضي، محمد أبا الخيل؛ الذي ظل توقيعه فترة زمنية طويلة على العملة السعودية التي بدأت ببصمة الحمدان.
وفي البداية، أُسست وزارة المالية عام 1344هـ، باسم "مديرية للمالية العامة لإدارة الأمور المالية" في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود في منطقة مكة المكرمة، وبعد عامين من تأسيسها وبالتحديد عام 1346، صدر أمر سامٍ بالموافقة على تطبيق نظام نقدي، سمي حينها بالنظام النقدي الحجازي ويشار إليه بـ"النظام النقدي العربي"، إذ لم يكن للسعودية عند تأسيسها نقد خاص بها.
حتى عام 1372هـ، صدر مرسوم ملكي باعتماد جنيه الذهب السعودي عملة رسمية للسعودية، وصدرت أول عملة ذهبية سعودية باسم الملك عبدالعزيز.
ومع توسع أعمالها تم تحويلها إلى "وكالة المالية العامة" عام 1347هـ، ثم تطورت أعمال الوكالة بشكل كبير، فصدر الأمر الملكي بتحويل الوكالة إلى وزارة للمالية في عام 1351هـ، بحيث تتولى مسؤولية تنظيم وحفظ أموال الدولة، وجبايتها، وتأمين طرق وارداتها ومصروفاتها، والمرجع العام لعموم الماليات في كل مناطق المملكة.
وكان أول وزير للمالية الشيخ عبدالله بن سليمان الحمدان؛ حيث تولى مسؤولية الوزارة منذ عام 1351هـ حتى عام 1373 هـ، تولى بعده الشيخ محمد بن سرور الصبان؛ مهام الوزارة حتى عام 1377 هـ.
في عام 1374هـ تم دمج وزارة الاقتصاد بوزارة المالية، فصارت "وزارة المالية والاقتصاد الوطني"، كما تم نقل مقرها إلى الرياض، وبعد الدمج تم تعديل مسمى الوزارة إلى الاسم الحالي "وزارة المالية" منذ عام 1424هـ.
وخلال مراحل التحديث التي شهدتها المملكة في بدايات عهدها توسعت أعمال وزارة المالية، فبدءا من عام 1355هـ تم إنشاء عدة مديريات تحت مظلة وزارة المالية، كان أبرزها المديرية العامة للبترول والمعادن، والمديرية العامة للجمارك ومعهد الإدارة العامة، ووكالة المواصلات والاتصالات، إضافة إلى الصناديق التنموية؛ كالعقاري، والصناعي، والتسليف، والبنك الزراعي، والاستثمارات العامة.
وخلال المسيرة التاريخية لوزارة المالية، تعاقب عليها 13 وزيرا، ونفذت عديدا من المشاريع الوطنية والتنموية الكبرى، أبرزها التوسعات الملكية الضخمة للمسجد الحرام والمسجد النبوي، وجسر الملك فهد بين مملكتي السعودية والبحرين، وجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، ومراكز المؤتمرات، والمجمعات الحكومية بعدد من مدن المملكة، ومراكز الإيواء بالمملكة، والمنافذ الحدودية بمقارها ومدنها السكنية.
ومكن تطور النظام المالي في السعودية مدعوما بالتطور الإداري والهيكلي، الجهات المسؤولة من تحقيق قفزات في جميع مناحي الحياة، ومنها المجالات الاقتصادية، ودعم ذلك الرؤية الثاقبة للمؤسس الذي أرسى دعائم اقتصاد السعودية على مبادئ الحرية الاقتصادية ومشاركة القطاع الخاص في التنمية، لتسهم التطورات الإدارية والتنظيمية التي مر بها النظام المالي في السعودية في الأداء الجيد للاقتصاد الوطني.
ومنذ رؤية السعودية 2030، شرعت وزارة المالية في إجراء مراجعة شاملة للميزانية العامة للدولة وتقسيماتها الحالية، لجعلها أكثر تلبيةَ لمتطلبات الشفافية اللازمة للتحليل السليم والدقيق لسياسة المالية الحكومية من جهة ومساندة مسؤولي الدولة على وضع الخطط واتخاذ القرارات المناسبة، ما يكفل العدالة لجميع مجالات التنمية المستدامة الرئيسة.
وسعت الوزارة إلى الإسهام بفعالية وكفاءة في تطوير النظام المالي والإدارة المالية في السعودية، إضافة إلى تعزيز كفاءة وفاعلية الإنفاق الحكومي ومستوى الخدمات المقدمة بما يحقق الاستدامة المالية والاستقرار والنمو الاقتصادي والتنمية.
وتعمل المالية على بناء سياسات للإيرادات، وتهدف تلك السياسة إلى الابتعاد عن تركيز الإيرادات النفطية، والتي تؤدي إلى تذبذب إيرادات الدولة، وفقا لحركة أسعار النفط ارتفاعا وهبوطا.
وحيث إن الهدف الأبرز لـ"رؤية 2030" هو تنويع مصادر الإيرادات غير النفطية، قامت وحدة تنمية الإيرادات غير النفطية بقيادة اقتراح وتطبيق التحديثات للإيرادات غير النفطية التي تتوافق مع الأهداف المنوط تحقيقها في 2030.
وكذلك قامت الوزارة بتأسيس سياسة للدين العام ومكتب لإدارة الدين، وهي تتوافق مع الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية والمالية التي تضمنتها خطة برامج الرؤية بهدف تطبيق وتحقيق رؤية المملكة 2030، ويهدف من ذلك إلى تأمين احتياجات السعودية من التمويل بأفضل التكاليف الممكنة على المدى القصير والمتوسط والبعيد، بحيث تكون المخاطر متوافقة مع السياسات المالية في السعودية.
ومن خلال المتابعة لمصروفات الميزانية منذ عهد "الرؤية"، أسهم مركز تحقيق كفاءة الإنفاق الذي تم إنشاؤه لرفع كفاءة الإنفاق الحكومي سواء التشغيلي أو الرأسمالي، في تحليل ميزانيات الجهات الحكومية من خلال مراجعة التكاليف، الأمر الذي مكّن من الالتزام بسقوف الإنفاق المخصصة للجهات.
وانعكس ذلك على نسب الالتزام بالإنفاق التقديري للميزانية العامة خلال السنوات الخمس الماضية التي أتت ما بين زيادة بنحو 10 في المائة في أعلى مستوى وأقل من التقديرات بنحو 4 في المائة، في حين أن الإنفاق الفعلي للميزانية قبل 2016 يأتي أعلى من التقديري بصورة واسعة، حيث راوحت الزيادة عن التقديري ما بين 16 و43 في المائة.