بحر الصين الجنوبي .. شريان للتجارة العالمية أم ساحة للصراع الاقتصادي؟
بحر الصين الجنوبي .. شريان للتجارة العالمية أم ساحة للصراع الاقتصادي؟
لا تنظر الأدبيات الاقتصادية إلى بحر الصين الجنوبي كمسطح مائي تقليدي، بل ترفض حصر أهميته في الإطار الإقليمي للبلدان الستة المطلة عليه، وتمنحه مكانة عالمية تعكس دوره في الاقتصاد الدولي.
يعود هذا التقييم إلى الحيوية الاقتصادية التي يتمتع بها مقارنة بعديد من المسطحات المائية الدولية الأخرى، إذ يعد بحر الصين الجنوبي شريانا بحريا يمر عبره نحو 30% من التجارة العالمية، منها ما يقرب من 1.2 تريليون دولار للتجارة مع الولايات المتحدة.
تشير الأرقام المتاحة إلى أن 40% من تجارة الصين، وثلث تجارة الهند، و20% من تجارة اليابان تمر عبره، بينما يمر أكثر من 14% من مجمل التجارة البحرية للولايات المتحدة منه، ما يجعله إحدى الوصلات الرئيسية التي تربط بين أكبر اقتصادات العصر.
لكن أهمية بحر الصين الجنوبي لا تقف عند حدود التجارة الدولية على الرغم من أهميتها، فإدارة معلومات الطاقة الأمريكية تشير إلى أن مضيق ملقا الذي يعد أحد الممرات الرئيسية المتصلة بالبحر، يشهد يوميا مرور نحو 23.7 مليون برميل من النفط والمنتجات البترولية، معظمها في طريقه إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية، وهو رقم يكشف مدى حساسية أي اضطرابات في هذا الممر على سلاسل التوريد وأسعار الطاقة العالمية.
وقال لـ"الاقتصادية" الدكتور "أي. أن. لويس" أستاذ اقتصادات الطاقة، "إن قاع بحر الصين الجنوبي يحتوي على نحو 11 مليار برميل من النفط وأكثر من 190 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، ما يمثل ورقة إستراتيجية لدول المنطقة لتقليل اعتمادها على الواردات من النفط والغاز".
أضاف، أن "مياهه المتنازع عليها غنية برواسب المعادن الأرضية النادرة، الضرورية لصناعات التكنولوجيا المتقدمة".
وبعض التقديرات تشير إلى أن المحيط الهادئ يحتوي على معادن أرضية نادرة تفوق بألف مرة الاحتياطيات المعروفة على اليابسة.
ويمتد تأثير بحر الصين الجنوبي إلى الأمن الغذائي أيضا، إذ تشير منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" إلى أن المنطقة توفر نحو 12% من إجمالي الصيد البحري العالمي، ما يجعلها مصدرا رئيسيا للبروتين لأكثر من ملياري نسمة من سكان الدول المتشاطئة.
ومع ذلك، تحذر "الفاو" من أن هذه المكانة مهددة بسبب الصيد الجائر، والتلوث، وتدمير الشعب المرجانية، ما قد يرفع أسعار الأسماك ويقلل من توافرها.
مع هذا، ترى الدكتورة إيزويل ستيل، أستاذة التجارة الدولية، أن المخاطر التي تواجه المنطقة ستجبر الدول على التعاون، بسبب ما يعرف بـ"التكاليف الاقتصادية الخفية".
وتقول لـ"الاقتصادية"، "إن شركات الشحن تدفع اليوم أقساط تأمين أعلى بسبب التوترات، إذ قفزت من أقل من 0.1% من قيمة السفينة إلى نحو 1% في أوقات التصعيد، وحتى في فترات السلم النسبي تظل مرتفعة نتيجة التوترات المزمنة".
ويشير محللون إلى أن شبكة الموانئ النشطة في المنطقة – مثل سنغافورة، وهونج كونج، ولايم تشابانج في تايلاند – تمثل صمام أمان للتجارة العالمية، فهي مراكز لوجستية لا تخدم الإقليم فقط، بل تعد محاور رئيسية في سلاسل الإمداد الدولية، ما يدفع الحكومات والمجتمع الدولي إلى الاستثمار في البنية التحتية البحرية لضمان استمرار التدفقات التجارية.
من جانبه، قال لـ"الاقتصادية" أستاذ السياسة الدولية، ملير كولبي، "إن بحر الصين الجنوبي ليس مجرد ساحة نزاع على مسطح مائي مساحته 3.5 مليون كيلومتر مربع تتقاسمه ست دول، حيث يعد محركا للاقتصاد العالمي، يربط التجارة الدولية بأمن الطاقة بالأمن الغذائي، ويحافظ على استقرار المصالح الآسيوية في الأساس".
أشار إلى أن الأهم أن استقراره ضرورة عالمية لضمان تدفق السلع والموارد بأسعار معقولة، فقد أثبتت السنوات الأخيرة أن أي اضطراب في ممر بحري قادر على هز أركان الاقتصاد الدولي كاملا.