Author

لتفادي الفقاعات .. وسيناريو 2008

|

لا تزال أوضاع السوق العقارية حول العالم متأرجحة وغير مستقرة وثابتة، أو لنقل، إن فيها الكثير من المحاذير، ولا سيما مع عودة الحراك الاقتصادي على الساحة الدولية بشكل عام. فالسوق العقارية تبقى قطاعا يتأثر بصورة مباشرة بالتطورات الاقتصادية وتقلباتها، بغض النظر عن إيجابياتها أو سلبياتها. ومثلا في عدد من الدول، تواجه مؤسسات عقارية مشهورة مشكلات على صعيد الديون، وهذا يعني أن المصارف فيها ستتأثر بأشكال مختلفة، خصوصا من جهة انكشافها على هذه الشركة العقارية أو تلك. وأي أزمة تواجه مثل هذه الشركات، قد تشكل بداية لأزمة محلية وربما إقليمية، وحتى عالمية.
فالعالم لم ينس بعد الآثار الفظيعة التي تركتها وخلفتها الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت في عام 2008، ونجمت في الواقع عن أزمة رهن عقاري في الولايات المتحدة بتصدرها بنك "ليمان براذرز". فظلت بعض آثار هذه الأزمة حاضرة على الساحة.
الذي يحدث وملاحظ خلال الفترة الحالية، ارتفاع وتيرة حجم الاستثمارات العقارية بشكل عام، وهذه خطوة مهمة ومطلوبة في أغلبية البلدان، إلا أن الخوف يبقى دائما محصورا في إمكانية حدوث فقاعة إسكانية جديدة، خصوصا في الولايات المتحدة التي تتمتع بأكبر اقتصاد عالمي، فضلا عن روابط عالمية باقتصادها المحلي. والخوف من فقاعة إسكانية، تأتي نتيجة حدوث هذا النوع من الفقاعات في التاريخ الحديث.
ففي مطلع تسعينيات القرن الماضي، ضربت فقاعة إسكانية عنيفة بريطانيا، وانهارت سوق العقارات، وتكدست العقارات التي وضعتها المؤسسات الدائنة في المزادات العلنية، بحثا عن أي عائد مالي عليها، لسد الفجوات في دائرة الديون المعدومة التي أصابت أغلبية المصارف آنذاك. وحديثا شهد عدد من البلدان الأوروبية الشيء نفسه، والسبب يبقى دائما، هو انفلات مسار الاستثمارات العقارية، وسهولة الحصول على قروض الرهن.
لا أحد يرغب في تجربة مماثلة لأزمة 2008. فالعالم أجمع دفع ثمنا غاليا للخروج منها ومن آثارها. لكن المؤشرات الراهنة على الساحة الأمريكية تدل على أن المستثمرين ربما يساهمون في فقاعة أخرى بصرف النظر عن حجمها. لماذا؟ لأن الأزمة العقارية التي حدثت في عام 2008، سبقتها زيادات مستمرة للغاية في أسعار العقارات على اختلاف أنواعها، ما أدى في النهاية إلى الانهيار الذي شهده العالم آنذاك. وفي الولايات المتحدة، وغيرها من البلدان التي تعتمد نظام اقتصاد السوق المفتوحة، تعد المنازل فيها من الأصول القابلة للتداول، إلى جانب اعتبارها كمأوى للناس. ولذلك، فإن أي ثغرة قد تحدث ستقود إلى أزمة قد لا تكون كارثية مثل أزمة عام 2008، ولكنها ستؤثر بصورة أو بأخرى في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية.
الملاحظ الآن، وفق عدد من المؤسسات الأمريكية، من بينها شركة "ريدفين" المتخصصة في هذا المجال، أن المستثمرين قادوا الزيادة في أسعار المساكن في أعقاب تفشي وباء "كورونا"، حيث وصلت إلى مستويات ما قبل الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008. أما لماذا الخوف؟ فهو يأتي من استفادة المستثمرين العقاريين في الوقت الراهن، من مستويات الفائدة المنخفضة جدا بفعل التيسير الكمي لدعم الاقتصاد المحلي في مواجهة الآثار السلبية لـ"كورونا".
فهؤلاء حصلوا على القروض واشتروا بها منازل لتأجيرها أو لإبقائها كمساكن ثانية لهم. لذلك ولد هذا الحراك تنافسا بين السكان المحليين، وذوي الدخل المرتفع الآتيين من المدن، ومعهم الأموال لشراء العقارات هنا وهناك. ويرى خبراء أن هذا الوضع أحدث تشوهات لا تصدق في أسواق العقارات، وخصوصا في مجال التنافس بين السكان المحليين والقادمين من خارج المناطق المستهدفة. بالطبع هذا يؤكد حقيقة أن الإسكان لا يزال يسهم في الانقسام الاجتماعي في الولايات المتحدة، وهذا يفرض على إدارة الرئيس جو بايدن ضغوطا، خصوصا في ظل مخططاته الاقتصادية التي تستند إلى حزم دعم يبلغ مجموعها نحو خمسة تريليونات دولار.

إنشرها