Author

التحول الرقمي .. الكفاءة والمؤشرات

|

* أستاذ هندسة الاتصالات المشارك

برشاقة ومرونة عالية، أنجزت حكومة المملكة عديدا من المبادرات والمشاريع الكبرى للتحول إلى الفضاء الرقمي وفق مسار واضح المعالم. ولا تزال المعالم تتوالى لتسريع التحول الرقمي في المملكة وتحقيق أهداف "رؤية 2030". ومن شواهد تلك الإنجازات تصنيفها ضمن أفضل عشر دول متقدمة في العالم من ناحية البنية التحتية الرقمية، وكذلك وضع الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي، وإنشاء هيئة للحكومة الرقمية.
وبالانتقال إلى الساحة الدولية، تلجأ المؤسسات عادة لقياس أثر جهودها في مسيرة التحول الرقمي، والتأكد من أن مسيرة التحول آتت أكلها وأنها تكللت بالنجاح. كما تنتهج المؤسسات أو الشركات القائمة عند تحولها الاستراتيجي إلى الفضاء الرقمي النهج التدريجي والتطوير التراكمي لخدماتها وعملياتها الرقمية، وألا تلجأ للانتقال الجذري في عملية التحول.
من أحد أهم الأسباب المتبعة في التحول التدريجي الذي يمر بمستويات مختلفة هو لتقليل عدد المتغيرات التي ستمر بها المؤسسة أو الجهة، وما ينشأ عن تلك المتغيرات من حالة عدم اليقين أو الوضوح في البرامج والخدمات المستحدثة ومدى نجاحها. لذلك تستطيع المؤسسة خلال مرحلة التدرج من التقويم المستمر لعملياتها، مع الإبقاء على إمكانية التصحيح أو العودة إلى الوضع التقليدي في حال اكتشاف أي فجوات تستدعي التريث والمراجعة.
عادة ما تقاس فاعلية ونجاعة برامج التحول الرقمي لدى المؤسسات أو الشركات عبر تقييم الكفاءة التشغيلية، ومقدار العائد على الاستثمار في تلك البرامج. لكن لاختلاف القطاعات التي تنتمي إليها تلك المؤسسات وطبيعة أعمالها، قد يكون من الصعب قياس هذين العاملين، الكفاءة التشغيلية والمالية. لذا قد يكون من الملائم تحديد المقاييس أو المؤشرات التي تتناسب وطبيعة أعمال الجهات المستهدفة بالتحول. فمقاييس التحول في القطاع الصحي مختلفة تماما عن معايير النجاح في القطاع الصناعي على سبيل المثال. فبعض المؤسسات تستهدف ببرامج تحولها الرقمي قاعدة عملائها من المتسوقين، بينما مصنع للسيارات مثلا يركز على رفع الكفاءة التشغيلية عبر أتمتة خطوط الإنتاج. إن رحلة التحول الرقمي تكتنفها المخاطر ومعدلات نجاحها قد لا تتجاوز الـ 30 في المائة في عديد من الحالات، لذا من الضروري تقييم أداء التحول عبر عدد من مؤشرات الأداء.
عموما، تتعدد المحاور التي يمكن من خلالها قياس مدى نجاح التحول الرقمي في المؤسسة. تشمل تلك المحاور حجم التحول وهل هو جزئي أم كلي؟ تجربة العملاء في استخدام الخدمات والمنصات الرقمية، ةعدد المستخدمين الفعليين والنشطين، والموثوقية وتوافر الخدمة، إضافة إلى تفاعل المستخدم مع الخدمات الرقمية المقدمة. ولا يقل أهمية عما سبق، المخاطر المتعلقة بالأمن السيبراني وخصوصية البيانات التي ترتبط عادة بمنتجات التحول الرقمي.
يندرج أسفل كل محور عدد من المؤشرات لقياسها بشكل كمي دقيق، واحتساب مجموعها للدلالة على الأداء الإيجابي أو نقيضه لكل محور. غالبا في المؤسسات الربحية يقاس نجاح التحول الرقمي بالنمو في الإيرادات وانخفاض التكاليف التشغيلية التي تترجم إلى نمو في أرباحها السنوية. أما بالنسبة للمؤسسات الخدمية أو الحكومية فمعايير النجاح لديها تقاس بعدد المستفيدين من منصاتها الرقمية، ورفع الكفاءة التشغيلية لبرامجها وخدماتها.
وأختم بمثال لأكبر شركات بيع التجزئة في الولايات المتحدة "وول مارت" التي استثمرت بشكل كبير في مشاريع التحول الرقمي لزيادة مبيعاتها، وتطوير تجربة العملاء إلى جانب تعزيز إدارة سلاسل الإمداد بالتقنيات الرقمية. كان تحولها الرقمي في عديد من عملياتها وقطاعاتها سببا في حفاظها على الصدارة في قائمة "فورتشن 500" متجاوزة بذلك منافسها شركة أمازون.
إنشرها