Author

معادلة مثالية لتنوع اقتصادي

|

يعد الناتج المحلي - كما هو معروف لدى خبراء الاقتصاد - من أدوات ومؤشرات نجاح أي اقتصاد في العالم، والمقياس الحقيقي لنمو ذاك الاقتصاد ورصيده الإيجابي لتطوره وانفتاح الآفاق المستقبلية لتوسع مدخلاته. فإذا كان الناتج المحلي يعرف ويوصف بأنه القيمة السوقية لكل السلع النهائية والخدمات المعترف بها محليا، التي يتم إنتاجها في دولة ما خلال فترة زمنية محددة، فإن نمو هذا الناتج يعني زيادة القيمة السوقية لكل السلع والخدمات التي تم إنتاجها. ولهذا، فإن نمو الناتج المحلي يجب أن يعود في مبرراته إلى نمو متكامل بين قوى العرض والطلب، فيتم إنتاج سلع إضافية مع تنامي الطلب عليها في الوقت نفسه، ولا يتم التنامي على الطلب إلا من خلال زيادة الدخل العام للمواطنين مع ارتفاع الدخول لسوق العمل.
وهكذا، نمو الاقتصاد بنصف نقطة يعني الكثير جدا ويحمل في طايته عديدا من الجهود الكبيرة، وإذا اقترن هذا مع خروج الاقتصاد من انكماش وركود، فإن الصورة تبدو مثالية إلى حد بعيد وتعد بالكثير في المستقبل مع تعافي الاقتصاد، ودخول الشركات وطرح السلع، مع فرص وظيفية أكثر، ما يعزز الطلب ويسمح بتعظيم الإنتاج مرة أخرى، وهذا في دورة اقتصادية قد تمتد أعواما.
ورصدت وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية"، استنادا إلى بيانات رسمية، أن الاقتصاد السعودي حقق نموا في الناتج المحلي خلال الربع الثاني بنسبة 1.8 في المائة خلال الربع الثاني من العام الجاري، وهو الأفضل خلال عشرة فصول، كما أنه أول نمو بعد سبعة فصول من التراجع لتفشي جائحة فيروس كورونا. إذن، فقد حقق الاقتصاد السعودي المعادلة المثالية من حيث النمو في الناتج المحلي والخروج من الانكماش الذي جاء نتيجة تراجع الاقتصاد العالمي كله.
وأوضح الرصد الإحصائي أن نمو الاقتصاد السعودي في الربع الثاني فاق كل التقديرات السابقة، البالغة 1.5 في المائة، كما أن هذا النمو هو الأسرع منذ عشرة أعوام، حيث نجح الاقتصاد في العودة من انكماش بلغ 7 في المائة في الربع الثاني من العام الماضي، وذلك في ذروة انتشار الفيروس عالميا وتنفيذ الإجراءات الاحترازية في المملكة بحزم.
لكن الأكثر مثالية في هذه العودة السريعة لنمو الناتج المحلي، أنها جاءت بدعم كبير من نمو القطاع الخاص غير النفطي، فبينما كان القطاع النفطي يعاني تراجع النمو بنسبة تصل إلى 6.9 في المائة نتيجة خفض الإنتاج السعودي التزاما باتفاق تحالف "أوبك +"، فقد نما القطاع الخاص غير النفطي 11.1 في المائة. وبحسب رصد تقرير "الاقتصادية"، فإن هذا هو أفضل نمو منذ الربع الثاني 2011، "أي خلال عشرة أعوام"، ما يدل على قوة الزخم الاقتصادي في القطاع الخاص، الذي من المؤكد أنه سيكون محرك النمو خلال الأعوام المقبلة، كما صرح بذلك وزير المالية السعودي، خاصة أن المملكة تعمل على تسهيل أعمال القطاع وتذليل العقبات أمامه وتقديم الدعم له.
وهنا لا بد من التأكيد أن هذا النمو القوي والمثالي للقطاع الخاص لم يأت من فراغ، بل كان نتيجة تخطيط اقتصادي محكم منذ انطلاق رؤية 2030 للوصول بحصة القطاع الخاص من الناتج المحلي إلى 65 في المائة بحلول 2030، بدلا من 40.7 في المائة. ولعل الجهود الكبير في تسهيل ممارسة الأعمال وفتح الأسواق وتسهيل الوصول إلى الدعم، وتشجيع المنشآت الصغيرة والمتوسطة قد أسهمت اليوم في هذا النمو غير المسبوق، كما أنه من الضروري الأخذ في الحسبان ما قدمته الدولة من جهود سبقت الجائحة، فمع انطلاقة الرؤية تم تخصيص 200 مليار ريال لدعم القطاع الخاص بقروض طويلة الأجل، ثم بدأت الحكومة السعودية بتحمل المقابل المالي على العمالة الوافدة في القطاع الصناعي، أطلقت مبادرة "الفاتورة المجمعة"، التي استفاد منها 364 ألف منشأة، بما قيمته 11.5 مليار ريال، تمثل السداد أو الإعفاء من فروقات المقابل المالي لرخص العمل، حسب الالتزام بنسب معينة من التوطين، ومع ما تم من إجراءات تحفيزية أثناء الجائحة للمحافظة على هيكل القطاع الخاص لحزمة الدعم بنحو 70 مليار ريال، تمثلت في إعفاءات وتأجيل بعض المستحقات الحكومية، إضافة إلى إتاحة تسهيلات بقيمة 50 مليار ريال، كما تحملت الحكومة 60 في المائة من رواتب موظفي القطاع الخاص السعوديين، بقيمة إجمالية تصل إلى تسعة مليارات ريال.
وحقيقة، كان الهدف من هذا الدعم السخي والتخطيط الجيد لتحفيز القطاع الخاص من أجل تحقيق النسب والنتائج المستهدفة، ومع صدور التقارير التي تشير إلى هذا النمو الذي يعد الأقوى والأسرع منذ عشرة أعوام، فإنه يمكن القول إن القطاع الخاص أصبح في المسار الآمن والسريع للوصول إلى تحقيق المستهدفات، وإن انعكاسات هذه النتائج ستكون واضحة الأثر في معدلات البطالة، كما تنعكس أيضا على أرقام نمو الناتج المحلي.

إنشرها