default Author

عقلاء في أماكن مجنونة

|
حزنك، آلامك، ردة فعلك بعد فقد شخص عزيز أو مصيبة، اضطرابك، قلقك، شكوكك، وقوفك على حافة الانهيار النفسي كلها أفكار ومشاعر وحديث مطول بينك وبين ذاتك، البعض يكون قويا ومؤمنا ويساعد نفسه للخروج من هذه الحالة وآخر تهزمه تلك الذات، ويبحث عن العلاج إما روحيا عند المشعوذين والرقاة أو يذهب إلى الطب النفسي ويعرض نفسه لوصمه بالجنون وتغير نظرة المجتمع له التي كانت أشد قسوة وضراوة منها اليوم رغم أن تلك النظرة القاصرة لم تتلاش.
ومشكلة المرض النفسي متشعبة لا تقتصر على المريض نفسه أو من حوله، بل تمتد لطريقة تشخيص وعلاج المريض وكيفية التعامل معه خصوصا في المصحات النفسية، هذا الأمر هو ما أثار العالم ديفيد روزنهان ودفعه إلى القيام بتجربة تعد من أكثر التجارب جنونا وخطورة، ففي عام 1973 كون روزنهان مع سبعة آخرين فريقا للقيام بعدة تجارب لإثبات أن الطب النفسي الحديث ليس قادرا على تشخيص الأمراض النفسية بكفاءة، فقد كان يعتقد أن نسبة العقلاء تفوق نسبة المرضى الحقيقيين داخل المصحات. نشر بحثه في مجلة العلوم بعنوان: "أن تكون عاقلا في أماكن مجنونة"، وتسبب في صدمة عنيفة للعالم أجمع.
أطلق على اسم الفريق المرضى الزائفين، بدأت الخطة بتزييف هويات المشاركين بمساعدة المسؤولين لزيادة سرية وإتقان المهمة. في التجربة الأولى قام روزنهان بمساعدة ثلاثة علماء نفس وطبيب أطفال ورسام وربة بيت بتزييف أعراض الهلوسة، وكانت المفاجئة حين تم قبولهم جميعا في المستشفيات التي قصدوها وتم تشخيصهم بالفصام (شيزوفرنيا) وثنائي القطب مع وصف أدوية لهم وإرغامهم على تناولها لكنهم كانوا يتخلصون منها. لم يشكك أي من الأطباء أو الممرضين والعاملين في المصحات ولو للحظة في إمكانية أن يكون هؤلاء فعلا مرضى مزيفين والمثير في هذه التجربة أن المرضى الحقيقيين اكتشفوا أن روزنهان ومساعديه أصحاء. أثناء وجودهم توقفوا عن التظاهر بالأعراض وبدأوا في تدوين ملاحظاتهم لكن حدث ما لم يكن في الحسبان فعندما انتهت مهمتهم وأرادوا الخروج رفض طلبهم تماما، ووجدوا أنفسهم محبوسين نحو شهرين وتعرضوا لسوء معاملة وممارسات سلبية ولم يخرجوا إلا بمساعدة محاميهم.
أعاد روزنهان التجربة مرة أخرى حين واجه سيلا من الاعتراضات حيث أعطت المستشفيات والمصحات العقلية إنذارا كاذبا بأنه سيكون خلال الأشهر المقبلة مريض مزيف من أصل كل ثلاثة مرضى سيأتون إلى المصحة وكانت النتيجة اكتشاف 41 مريضا كاذبا من بين 193 مريضا جديدا والمفاجأة أن روزنهان لم يرسل أي مريض مزيف للمستشفيات.
إنشرها