Author

التمييز العنصري والأسماء

|
أستاذ جامعي ـ السويد
الأسماء، كل الأسماء، لها في أقل تقدير دلالتان. ولكي أقرب الموضوع للقراء الكرام، لنأخذ مفردة "البومة"، التي تشير إلى طائر ليلي بأجناسه المختلفة.
الطائر ذاته، تشير إليه اللغات الأخرى لفظا وكتابة بأشكال مختلفة، مثلا في الإنجليزية، يقابلها مفردة owl وفي السويدية uggla. وفي إمكاننا إيراد مرادف لمفردة "البومة" بالعربية في أي لغة نشأت.
إذن ليس هناك في مفردة "البومة" ما يشير إلى سلوك وماهية وفيزيولوجية ولون وثقافة وميل هذا الطائر، وقس على ذلك المفردات التي تشير إليه لفظا وكتابة في اللغات الأخرى.
كل ما هناك، أن الناطقين بلغة ما متفقون على أن جمع حروف وألفاظ محددة، مثلا "ا ل ب و م ة" في العربية، ستشير إلى هذا الطائر، وهكذا الشأن في اللغات الأخرى، إن كتابة أو لفظا.
وحتى الآن، لا أظن هناك إشكال في الشرح النظري الذي قدمناه، ومفاده بأننا نحن البشر نتفق فيما بيننا على إطلاق تسميات مختلفة من النادر أن تحمل في ثناياها كنه الشيء أو الكائن الذي تشير إليه.
إذن، لماذا نأخذ التسميات مؤشرا على موقف ووجهة نظر حول المسميات انطلاقا من طريقة كتابتها أو نطقها؟ إن كان الاسم الذي نستنبطه أو نطلقه لا يعكس سلوك وثقافة وممارسة وميل المسمى، فلماذا كل هذه الجلبة في الأروقة الأكاديمية وخارجها حول الأسماء وكيف أنها أصبحت مؤشرا من المؤشرات المهمة للتمييز العنصري في الغرب؟
هنا تدخل الذاكرة والمخيلة والثقافة والتاريخ ووجهات النظر التي نحملها في تقرير الموقف الذي نحمله، سلبا أم إيجابا، حول اسم ما.
ولهذا، لمفردة "البومة" دلالات متباينة. في السويد مثلا، الطائر مصدر سعادة وفأل حسن، يحبه الناس ويضعون صوره ومجسماته في بيوتهم ويعلقونها على مداخلها، اعتقادا منهم أنها ستجلب الخير والرخاء.
"البومة" لا تحمل هكذا دلالات حميدة في ثقافات أخرى مثل الثقافات السائدة في الشرق الأوسط، مثلا.
بيد أن مفردة "البومة" نطلقها على جنس برمته من الطيور، بمعنى أن اللغة لا تمنحنا اسما خاصا لكل طائر على انفراد من جنس الطيور التي نطلق عليها هذه التسمية.
بقدر تعلق الأمر بالبشر، فإننا نحمل أسماء شخصية خاصة في الأغلب أطلقت علينا ونحن أطفال صغار، بمعنى لم يكن لنا خيار في قبولها من عدمه.
وليس هناك في الاسم الذي نحمله ما يدلل على شخصيتنا وسلوكنا وثقافتنا ومواقفنا ووجهات نظرنا. قد يكون "اسم على مسمى" ولكن هذا مجرد مثال وليس قياس.
كيف إذا صار الاسم قياسا للحكم على حامله؟ وكيف إذا صارت مسألة الأسماء التي يحملها بعض الناس، وعلى الخصوص من المجموعات البشرية التي تختلف عن التيار السائد في المجتمع، واحدا من المؤشرات الأساسية لتقرير المصير حول مسائل حياتية ومعيشية واجتماعية بالغة الأهمية في العصر الحديث؟
وكيف لنا أن نفسر بروز ظاهرة ثقافة التمييز العنصري في الغرب حاليا أساسها الاسم الذي يحمله الشخص وليس سيرة حياته أو سلوكه أو مؤهلاته؟
صارت الأسماء جزءا من التميز المؤسساتي والثقافي، بموجبها قد يحرم شخص من منصب أو مقعد في جامعة استنادا إلى الاسم الذي يحمله.
هناك في الصحافة الغربية بصورة عامة والسويدية بصورة خاصة، مقالات كثيرة تنتقد هذه الظاهرة التي صارت جزءا من العنصرية المؤسساتية ودليلا على التمايز وعدم المساواة.
كنت من المشاركين في تظاهرة لجذب انتباه السلطات في السويد للتحرك والعمل على إطلاق سراح مواطن سويدي من أصول أجنبية كانت قد اختطفته مجموعة إرهابية وتصر على عدم فك قيده إن لم تلب الحكومة السويدية بعض شروطها، منها دفع فدية من المال.
وخطب فينا زعيم حزب سويدي ليبرالي، ودهش الحاضرون عندما صرح موجها كلامه إلى الحكومة قائلا، " لو كان اسمه يوهانسون، أو فردريك، أو بيرشون (أسماء سويدية شائعة) لهرعتم لإنقاذه". كان المختطف يحمل اسما أجنبيا.
بالنسبة إلي، وأنا أشتغل في تحليل الخطاب ونقده، لم أندهش لمقولة السياسي السويدي هذا. هناك كم هائل من الأبحاث الأكاديمية التي توثق بأن الأسماء، ولا سيما التي يحملها الذين ينتمون إلى أقليات وثقافات وأعراق مختلفة صارت جزءا من المعاناة والتمييز العنصري.
ونقرأ اليوم في الصحافة من يشتكي من حرمانه حتى من الحصول على منزل للإيجار فقط لأن اسمه غريب وليس من الأسماء الشائعة لدى الأغلبية. وهناك من يعاني إهمال طلباته للحصول على عمل أو وظيفة للسبب ذاته.
قد لا تكون هذه المشكلة غربية فحسب، لكن أن يكون الغرب الذي يدعي التمدن والحرية والديمقراطية ساحتها، فهذا لعمري شأن يثير القلق على أكثر من مستوى.
إنشرها