Author

خصوبة فكرية

|
يبدو أن هناك وعيا يتنامى بين الشباب حول قضيتي الزواج والإنجاب، البعض بات لا يخضع بسهولة لرغبات الوالدين في تزويجهم و"الفرح بأبنائهم"، وأقصد هنا تزويجهم مبكرا، وهذا مؤشر جيد على نشوء ثقافة جديدة تتأثر بالعامل الاقتصادي، حيث صعوبة إنشاء أسرة دون موارد مالية معقولة، والنظر بواقعية إلى الحياة وظروفها المعاصرة.
الأمر - بالطبع - سيلقي بآثاره على الإنجاب، الذي إذا نظرنا إليه بوعي، سنجد عديدا من الأسباب لتقنين النسل وليس تحديده، وهو المطلب الذي سيحقق لنا مبدأ مكاثرة الأمم نوعيا، بدلا من مكاثرتها كميا، وقد انهزم الكم أمام الكيف في العصر الحديث.
شيئا فشيئا، تتلاشى فكرة الخصوبة التي تنجب كثير من السيدات من أجل إثباتها، أو لفكرة قديمة أن كثرة الأبناء تجعل الأب يعيش متوالية هندسية من الكدح النفسي والمادي تجعل معادلة هروبه، أو طيرانه إلى عش آخر صعبة، ويحدث أن تملأ هي عشه فيضيق بكثرة "الكتاكيت". تتلاشى هذه الأفكار في مقابل "الخصوبة" الفكرية، التي زادت مع تصحيح مفاهيم وأفكار كثيرة، ومع ازدياد مستويات الشراكة بين الجنسين التي نشأت عن تمكين المرأة من تعويض ما فاتها من فرص العمل والإنتاج والمشاركة.
يبقى السؤال الديموغرافي: أي عدد يكفي؟ شخصيا أعتقد أن طفلين عدد مناسب لذوي الدخل المحدود، أو الظروف العملية الصعبة، ويرتفع العدد إلى أربعة عند تيسر الحال، أو وجود مهنة أو وظيفة تساعد على توافر الوقت والمال، ويزيد على ذلك لمن حباهم الله سعة في المال أو الجاه يستعينون بها على التربية وإدارة الجمع الصغير في المنزل أو المنازل.
لا تعارض بين تقنين النسل، والإيمان بأن الله كفيل بكل مخلوق، فالمولى نهى عن قتل الأبناء خشية الإملاق، وأحيانا يكون الإنجاب ثم الإهمال، أو التقصير المتعمد، نوعا من وأد إنسان في خضم حياة حديثة لا ترحم، وظروف اجتماعية واقتصادية تتغير بسرعة كبيرة.
ذكر المال قبل البنين في محكم التنزيل، وأجتهد لأقول: إن مال هذه الأيام ليس النقود فقط، بل في حالة الإنفاق على تربية الأبناء القدرة بمعناها الواسع الذي يشمل الرغبة الشخصية الحقيقية في الإنجاب، والدأب والجلد على متطلبات التربية، والتقييم الثمين لكل دقيقة تقضيها مع طفلك، ومعرفة أنك تصنع عقل إنسان، ولست تغذي جسده فقط.
إنشرها