Author

مؤسسات السوق المالية .. تفوق أم تردد؟

|
خرج أخيرا تقرير "فوربس" الذي يتناول قوائم الشركات الأكبر في المنطقة، ومن ضمن هذه القوائم كانت هناك قائمة أكبر شركات إدارة الأصول في الشرق الأوسط التي سيطرت عليها "مؤسسات السوق المالية" السعودية بوجود 16 شركة من أصل 30 في القائمة ووجود خمس شركات ضمن العشر الأوائل على مستوى الشرق الأوسط. تقدم هذه الشركات السعودية المالية المختصة على مستوى المنطقة هو تقدم طبيعي يسهل تفسيره بوجود عدد من العناصر مثل التطور السريع للتشريعات والأنظمة المالية، حجم الأصول المالية المحلية المتاحة للإدارة، نضج البنية المالية والمصرفية وإمكاناتها التقنية والتشغيلية والأمنية، إضافة إلى وجود مواهب وقيادات متميزة في المجال الاستثماري المالي.
لو نظرنا بشكل أكثر تركيزا على المشهد المحلي سنجد أن هذه الشركات تعمل تقريبا في مجالين رئيسين، إدارة الأصول وخدمات الوساطة، ويتفرع عنهما ويرتبط بهما عدد من الخدمات المالية الأخرى التي تتفاوت بشكل كبير في مستوى النضج مثل استشارات وخدمات الصفقات وخدمات الحفظ.
لو بدأنا من عند الرقم الذي استخدم في قائمة "فوربس" لوجدنا أن الوضع الحالي كما في نهاية الربع الأول لعام 2012 لإجمالي مؤسسات السوق المالية يشير إلى وجود 676 مليار ريال من الأصول المدارة التي تشمل الصناديق الخاصة والعامة والمحافظ الخاصة، يشكل هذا الرقم نموا بنسبة 73 في المائة من رقم نهاية العام في 2017، وهي زيادة معتبرة لحجم الأصول التي انتقلت من الإدارة الذاتية أو من وجودها خارج مظلة هذه المؤسسات المختصة إلى تحولها إلى أموال وأصول مدارة تخضع للتنظيمات والترتيبات الخاصة بالسوق المالية.
وبالرتم نفسه المتصاعد نجد أن أرقام تقارير هيئة السوق المالية تشير إلى نمو بنسبة 205 في المائة لقيم التداولات الربعية عند المقارنة بين الفترات نفسها، إذا انتقلت قيم التداولات من 458 مليار ريال في الربع الرابع لعام 2017 إلى 1,400 مليار ريال في الربع الأول لعام 2021. ولهذه الفترة نفسها، ارتفع عدد الصناديق العاملة في المملكة - الخاصة والعامة - بنسبة 32 في المائة وبعدد 175 صندوقا، لكن كان هذا النمو متباينا بين الصناديق العامة والخاصة، إذا كان نموا سلبيا في حالة الصناديق العامة التي انخفضت بعدد 11 صندوقا بينما نمت الصناديق الخاصة بعدد 186 صندوقا، وهي نقطة تساؤل، هل هناك عدم احتياج إلى مزيد من الصناديق العامة أم أن الشركات الحالية عاجزة عن الخروج بصناديق عامة جديدة؟ ماذا عن الحاجة إلى حلول استثمارية في مجالات مبتكرة؟ هل مديرو الصناديق أبطأ من تطورات السوق أم أن السوق نفسها تتطور بشكل بطيء؟ قد تكون المسألة مرتبطة بالأنظمة والتشريعات. من الجلي أن الموضوع يستحق النظر والدراسة.
ينعكس النمو في حجم الأصول المدارة على نمو متباين في مؤسسات السوق، إذ نمت أعداد المؤسسات المرخص لها بممارسة العمل بنسبة 109 في المائة من عام 2007 إلى نهاية 2020. وخلال الفترة من 2017 إلى 2020 نمت الإيرادات المجمعة هذه المؤسسات بنسبة 53 في المائة من خمسة مليارات ريال إلى 7.8 مليار ريال، وللفترة نفسها، ازداد صافي الربح المجمع لهذه المؤسسات بنسبة 105 في المائة من 1.6 مليار إلى 3.2 مليار، وهذا يعكس ارتفاعا ملحوظا في الكفاءة التشغيلية.
يفسر هذا زيادة ضئيلة في عدد القوى العاملة التي تعمل في هذه المؤسسات تعادل 3 في المائة فقط، إذ ارتفع الرقم من 4,342 موظفا إلى 4,464 موظفا (كما في نهاية الربع الأول لعام 2021) كانت نسبة السعودة حينها 76 في المائة.
من الملامح المهمة كذلك في هذا النشاط الحيوي أن نمو أعداد المشتركين الأفراد كان محدودا جدا. على سبيل المثال لو نظرنا إلى المشتركين الأفراد في صناديق الطرح العام لوجدنا أن الارتفاع من عام 2009 إلى عام 2020 كان 1 في المائة فقط. ولو استبعدنا أثر صناديق الاستثمار العقاري المتداولة (التي وصل عدد مشتركيها إلى ما يزيد على 150 مليون مشترك) لوجدنا أن أعداد المشتركين نزلت بنسبة 44 في المائة مقارنة بعام 2009 وبنسبة 7 في المائة مقارنة بعام 2017.
من الواضح جدا أن اهتمام المشتركين الأفراد بالصناديق العامة يتحرك بالجديد منها الذي كان محدودا على شكل واحد تم تدشينه في 2017-2018، وهذا يعني أن أسواق المال لم تحافظ على رتم واضح من الابتكار الاستثماري الذي يسمح بتوازن النمو بين مؤشراته الرئيسة. أعتقد أن النمو المحدود في أعداد الموظفين لا يعكس الكفاءة التشغيلية فقط، وإنما يشير إلى حالة من الركود في العملية الابتكارية والتجديدية لهذا القطاع المهم. من الواضح جدا أن الفرص المحتملة لمزيد من التفوق السعودي على مستوى المنطقة متاحة وبشكل أكبر من المعتاد، لكنها بحاجة إلى مزيد من الجرأة والتحرك الفعال وليس الاستجابة فقط لاحتياجات السوق المؤكدة.
إنشرها