Author

الأضاحي .. القيمة الاقتصادية المضافة

|
الهدي والأضحية من شعائر الإسلام التي يتعبد بها الله، طلبا للأجر، والمثوبة، وكلاهما يتم التقرب بهما من بعد صلاة العيد، حتى آخر أيام التشريق، إلا أن الهدي شرط في اكتمال الحج للقارن والمتمتع، أما الأضحية فليست واجبة، بل هي سنة للمقتدر. في كل أنحاء العالم يضحي المقتدرون من المسلمين بالأنعام طلبا للثواب، وإطعاما للفقراء والمحتاجين، لبث السعادة في نفوسهم. وقد أدرك المسلمون الحكمة من الأضاحي في تقوية الروابط الاجتماعية بالصدقة، والإهداء من اللحم، كما استفادوا من سائر أجزاء الأضحية من جلد، وصوف، وشعر، وقرون، وحوافر، لإنتاج احتياجاتهم الحياتية من ملابس، وفرش، وبيوت شعر، وقرب، وصملان، وأحذية، وغيرها من الاحتياجات.
أتذكر إلى وقت قريب كان هناك من يجمعون الجلود، ونحرص على إيصالها إليهم، أو يحضرون بأنفسهم لأخذها، كما يوجد آخرون يجولون في الشوارع يجمعون الجلود، وكان هؤلاء من البارعين في الصناعات التحويلية لهذه المواد الخام، لإنتاج الفرش، أو الأحذية، أو القرب، حيث كانت الحاجة ماسة إلى هذه الأشياء، لكن مع الانفتاح على الاستيراد اختفت ظاهرة الاهتمام بهذه الصناعة المهمة في رافد الاقتصاد الوطني لمصلحة ما يتم استيراده من بلدان شتى تطورت فيها هذه الصناعة، حتى بلغت منتجاتها حد الإغراء لجمالها ودقتها وجاذبيتها.
عبر "تويتر"، ووسائط التواصل الاجتماعي الأخرى، ووسائل الإعلام التقليدي، يرد كثير من الدعايات بشأن أحذية جلدية مصنوعة من جلد البقر، أو الماعز، والضأن، كما تعرض الدعايات المعاطف الجلدية المغرية، والحقائب النسائية، والمحافظ الجميلة، والمفيدة في حياتنا اليومية رجالا ونساء، وكلها مستوردة من خارج المملكة. وكلما أتمعن في ماركة المنتج، وبلد الصنع ومقارنته بالمنتج المحلي، أجد هناك فرقا على الرغم من التحول الذي شهدته هذه الصناعة خلال الفترة الأخيرة من التوسع في صناعة الجلود والاستفادة من مخرجاتها. والحقيقة، المسألة تحتاج إلى توسيع الاستثمارات في هذا الجانب، خاصة بمشاركة القطاع والدخول والمنافسة بقوة أكبر من الوضع الحالي. أزعم أن عدد الأضاحي في المملكة يبلغ الملايين، إضافة إلى الهدي، وما يتم ذبحه للاستهلاك في الأيام العادية، وعلى الرغم من أن هناك بوادر طيبة في جانب الاستفادة من جلود، وأصواف، وأشعار الأضاحي والهدي وغيرها، بشكل أكبر من الوقت الحالي، فهل يمكن تأسيس صناعة استثمارية بمستوى أكبر قائمة على هذه الثروة؟
في أيام الابتعاث، كنت أتحدث مع الطلاب المسلمين من الجنسيات كافة أثناء عيد الأضحى المبارك عن ممارساتهم، واستفادتهم من الأضحية، وخرجت بنتيجة مفادها أنهم يستفيدون من كل شيء في الأضحية بلا استثناء، بل إنه في الهند، كما ذكر لي أحد الهنود، توجد معامل تنتج منتجات من جلود وأصواف الأضاحي تعطى لفقراء المسلمين.
في بلادنا وجدت أفكارا جيدة تم بناء عليها إنتاج برامج عمل اجتماعية ناجحة، مثل بنك الطعام الذي يستقبل الفائض من طعام المناسبات، كالأفراح، والعزائم، بل فائض الطعام القليل، ليتم إيصاله إلى المحتاجين الذين هم في أمس الحاجة إليه، وبفضل هذا البرنامج انحسرت مناظر رمي الطعام في صناديق النظافة حفظا للنعمة، وعونا للمحتاج إليها. وعلى غرار فكرة بنك الطعام، هل من الممكن لمجلس الغرف التجارية، ووزارة الصناعة، والمستثمرين، والجهات ذات العلاقة بالأوقاف، طرح دراسات استثمارية بشكل أكبر في هذا القطاع المهم للاستفادة بتوسع مما هو أكبر عليه الآن من جلود الأضاحي، وتحويله إلى مشروع صناعي ليتحول إلى رافد اقتصادي بصورة أكبر، تستفيد منه شريحة كبيرة في المجتمع في صورة مواد عينية، وإيجاد للوظائف؟
الجهات المعنية بالوقف قد يكون لها دور في هذا الموضوع، فهل بالإمكان إيجاد مشروع وقفي يسهم فيه كل أصحاب الأضاحي بجلود أضاحيهم كأسهم لهم، ولوالديهم وتوقف منتجات المشروع للصرف على الفقراء، إما مباشرة، وإما يصرف عليهم من أثمان المنتجات بعد بيعها في السوق، ولا مانع من الاستفادة من تجارب من سبقنا بمثل هذه المشاريع. فهي قيمة مهمة لمشروع الاستفادة من جلود الأضاحي، ألا وهي المعنى الحضاري الذي يتجسد في استثمار المواد الخام، أو تصديرها لبلدان تصنعها وتبيعها.
إنشرها