Author

صناعة الألعاب الرقمية والتحولات الاستثمارية

|

أستاذ الطاقة الكهربائية ـ جامعة الملك سعود

[email protected]

تعتمد صناعة الألعاب Game industry على التطور التقني بصورة كبيرة تماما مثل أي صناعة أخرى تعمل في العالم الرقمي، ولا تزال هذه الصناعة تنمو وتتطور تباعا، خصوصا مع خروج عدة شركات منافسة تعتمد على تبني التطورات والتكيف معها. وعلى الرغم من التغيرات المستجدة على الطريقة التي تتبعها الشركات في إنشاء عروضها، فإنها لم تؤثر في ذلك، حيث إن المستخدمين سيتفاعلون مع البيئة التقنية بما يلبي حاجاتهم ورغباتهم.
وتعد صناعة الألعاب واحدة من أكثر الصناعات نموا وازدهارا في وقتنا الحاضر، إذ استطاعت أن تتجاوز الظروف السلبية التي خلفتها جائحة كورونا على العالم، بل تعكسها لمصلحتها، حيث جذبت لاعبين كثر، فزادت إيراداتها وأرباحها، الأمر الذي جعلها محط أنظار عديد من الشركات للانجذاب إليها والاستثمار فيها. لذلك، نرى أن صندوق الاستثمارات العامة رصد صناعة الألعاب كإحدى الفرص الاستثمارية الواعدة، واشترى خلال الربع الأخير من العام الماضي أسهما في شركات صناعة ألعاب الفيديو الأمريكية بقيمة 3.3 مليار دولار، تضمنت أسهما في شركات أكتيفيشن بليزارد وإلكترونك أرتس ووتيك تو.
لقد صقلت التقنية عبر الإنترنت الألعاب الرقمية في الأعوام الأخيرة، لدرجة أن عديدا من تلك الألعاب قد طمس الخطوط الفاصلة بين الواقع والخيال لتصبح ليست أداة للتسلية فحسب، لكن أيضا للأغراض التعليمية. لذلك، نرى أن تقنية الألعاب المحمولة أضحت واحدة من أكبر محركات الصناعة في المشهد الحالي، وأن صناعة الألعاب شهدت كثيرا من التغيرات مع التقدم في التقنية الرقمية، سواء أكان ذلك في تطوير الألعاب الإلكترونية أم في عصر ألعاب الأركيد Arcade. ألا ترى أن صناعة الألعاب حققت تقدما يفوق الخيال حتى في العوائد الاستثمارية؟ لقد تعدى تطوير اللعبة ذاتها من الشركة أو صانع اللعبة إلى اللاعبين، حيث سيكونون قادرين على المساهمة في تطوير وتحديث اللعبة أيضا بما يتوافق مع طموحات وتطلعات الشركة. لقد كانت الألعاب القديمة على الإنترنت مبنية على رسومات ثنائية الأبعاد بتقنية تستند إلى النص، لكن مع ابتكار الرسومات في فضاء ثلاثي الأبعاد Three-dimensional space، والمؤثرات الخاصة، أصبحت الألعاب أكثر واقعية وحماسية وجذبا. وحيث إن ممارسة الألعاب بشكل منفرد شيء قد يدعو إلى الملل أحيانا، مكنت تقنية الإنترنت اللاعبين من الانضمام لآخرين واللعب عن بعد بصورة مشتركة. والملاحظ أن وجود الهواتف الذكية في صناعة الألعاب جلب عوائد مجزية، ولذلك نرى اللعب بجهاز صغير يناسب الجيب ومتاح على مدار الساعة، يجعل من اللعب عبر الإنترنت أكثر شعبية وتقبلا.
دعونا نرى أكبر التحولات والتطورات التي يمكن أن نتوقع رؤيتها في تقنية صناعة الألعاب في المستقبل، بل إن بعضها مشاهد على أرض الواقع. إن تقنية الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence ليس مفهوما جديدا في صناعة الألعاب. لقد كان الاستخدام المبكر لهذا الاختراق التقني محدودا للغاية، ويمكننا أن نرى تطبيق الذكاء الاصطناعي في الوقت الحاضر ليس فقط في الألعاب نفسها، لكن أيضا في عملية تطوير اللعبة. بدأ مزيد من شركات الألعاب في رؤية الإمكانات الحقيقية وراء تعلم الآلة Machine Learning، وهي الأكثر انفتاحا على تضمينها في جميع أجزاء تطوير الألعاب. وسيؤدي هذا دون شك إلى بعض التغيرات المثيرة للاهتمام لكل من الشركات واللاعبين على حد سواء. ومنها تميل التجارب الواقعية الفائقة أو الترفيه المستند إلى الموقع Location-based Entertainment إلى المزج بين الواقع الافتراضي والمادي لتوفير تجربة ألعاب تشبه الحياة الطبيعية. لقد أدرجت صناعة الألعاب تقنية الواقع الافتراضي Virtual Reality وتقنية الواقع المعزز Augmented Reality بصورة يمكن للاعبين ارتداء أجهزة في عالم الألعاب. أما التقنية السحابية Cloud Technology فقد غيرت قواعد اللعبة في صناعة الألعاب على الإنترنت، ومنها توفير مساحة على أجهزة الحاسوب ووحدات تحكم الألعاب، ما جعل الألعاب أكثر سهولة في التعامل معها من أي وقت مضى. ويشار إلى العملة المشفرة Cryptocurrency على أنها عملة المستقبل بحكم بزوغ تقنية سلسلة الكتل Blockchain، ولذلك ستفتح شركات الألعاب التي تقدم العملات المشفرة في عروضها أبوابا جديدة للاعبين الذين يبحثون عن مثل هذه الفرص. ومن جانب آخر، نرى أن منصات البث Streaming platforms ازدادت شعبيتها بسرعة، وهي في الواقع تجلب عائدا مجزيا للاعبين والشركات.
لقد غيرت التقنية الحديثة دون شك كثيرا من الصناعات، ومنها صناعة الألعاب، ولا يمكن أن نتخيل العيش من دون الإنترنت والهواتف الذكية وعديد من الأدوات عالية التقنية، حيث أصبح معظم البيوت - إن لم يكن كلها - يحتوي على أحد أجهزة الألعاب. وسسنرى مزيدا من التقدم التقني في صناعة الألعاب، بحيث يتحرك التطور المستقبلي نحو تكامل أكبر للعالم خلال الأعوام المقبلة. ألا ترى أيها القارئ الكريم أن الجيل الجديد سيكون جاهزا لرؤية مزيد من الألعاب وأدوات الواقع الافتراضي والمعزز؟
في الختام، لا تفوتنا الفرصة في التشجيع نحو إنشاء مزيد من الشركات المحلية لإيجاد صناعة جاذبة للألعاب الرقمية لكي تكون منافسا قويا، خاصة مع وجود أفكار ابتكارية مستجدة، ومنها على سبيل المثال إنشاء منصات ألعاب رقمية تسمح للاعب بتطوير اللعبة نفسها، بل حتى من الممكن أن تتاح له الفرصة في ابتكار لعبة خاصة به ووضعها على سطح المنصة الرقمية بما يسمح بالتفاعل الإيجابي بين اللاعبين أنفسهم وبناء سوق ألعاب محلية. ومن المناسب دراسة نظام أو لائحة تنظيمية تقنن صناعة الألعاب في المملكة بما يعظم سلامة استخدامها من جهة، والعوائد المجزية من جهة أخرى.
إنشرها