Author

من فاز في انتخابات الرئاسة في إيران؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد
استأثرت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إيران بكثير من الاهتمام وكان الحدث مثار تعليقات ومقالات عديدة ساخنة في الصحافة العالمية والشرق أوسطية وانتقادات سياسية واسعة النطاق لما يفعله النظام الإيراني من تخبطات.
وحسب نتائج التصويت هناك رئيس منتخب هو إبراهيم رئيسي الذي سيرتقي إلى سدة الرئاسة في آب (أغسطس) المقبل.
لن أدخل في التفاصيل والترتيبات والشرائع الوضعية في إيران التي تم توظيفها لفوز رئيسي. وكان التنبؤ بفوزه مثل الكتابة على الحائط بعد أن تم إبعاد أي مرشح قد يشكل عائقا أمام القاطرة التي أقلته إلى كرسي الرئاسة في إيران.
ولن أغوص في التفاصيل الخاصة بلعبة السياسة في إيران وكيف أن التركيبة التنفيذية والتشريعية التي يمثلها نظام ولاية الفقيه تجعل من منصب رئيس الجمهورية أقرب إلى منصب شرفي منه تنفيذي.
ما أثار اهتمامي كان تشبث أركان الحكم في إيران - من المرشد الأعلى أو الولي الفقيه علي خامنئي إلى مجلس صيانة الدستور - بمواقف وأحكام وسياسات لا تنم عن نضج سياسي وعقلاني بالحد الأدنى.
منذ أن أعلن مجلس صيانة الدستور أسماء المرشحين "كانوا سبعة ثم تقلصوا إلى أربعة"، أصبح واضحا أن مسار الانتخابات تم تحديده مسبقا وأن العملية الانتخابية ما هي إلا بروفة أو ممارسة ظاهرها ديمقراطي وباطنها استبدادي.
علت أصوات كثيرة داخل إيران ذاتها معلنة أن انتقاء ستة مرشحين لمنافسة رئيسي المقرب من خامنئي من مجموع أكثر من 500 مرشح بينهم شخصيات لها توجهات قد لا تتطابق مع تلك التي لدى المؤسسة الفقهية الحاكمة سيضرب شرعية النظام في الصميم، لأن اللعبة لم تعد تنطلي على الأغلبية الساحقة من الناخبين.
أبعد مجلس صيانة الدستور أي مرشح قد ينافس رئيسي على منصب الرئاسة، خصوصا شخصيات بارزة لها مكانتها وشعبيتها وتوجهاتها التي قد لا تلتقي مع ما لدى الجناح الذي يرى القيصر وكأنه يستقي معلومات وقرارات إلهية.
المرشحون الستة أغلبهم مغمورون وبعضهم لم يبل بلاء حسنا أثناء تقليده مناصب رفيعة، بمعنى أن لا شعبية لهم.
استشعر خامنئي خطورة الموقف وكي يبرأ ساحته من قرارات مجلس صيانة الدستور أصدر بيانا ينتقد فيه استبعاد مرشحين مؤهلين آخرين.
استبشر بعض الناس خيرا، وتصوروا أن المجلس سيعيد النظر في قراراته ويغربل تشكيلة المرشحين مضيفا أسماء أخرى كي تبدو قائمة المرشحين للرئاسة أكثر توازنا.
وزاد بعض السياسيين الكبار في إيران ومنهم حسن روحاني رئيس الجمهورية في إغداق المديح على الولي الفقيه وحكمته وصواب نهجه، هكذا تصوروا، آملين أن الغبن الذي وقع نتيجة استبعاد مجلس صيانة الدستور كثيرا من المرشحين المؤهلين سيتم رفعه.
وأكثر المواقف سذاجة ضمن التعقيبات على الانتقادات التي وجهها خامنئي لقرارات مجلس صيانة الدستور كانت تلك التي أكدت عصمة المرشد الأعلى وأن المجلس صار ملزما الآن بإجراء تغيير جذري في قائمة المرشحين.
غاب عنهم أن انتقادات خامنئي للمجلس لم تكن إلا مثل ذر الرماد في العيون. ولم يحرك المجلس ساكنا، وذهبت كلمات خامنئي "السماوية" أدراج الرياح.
وكي يدرأ خامنئي تبعات قرارات ومواقف المجلس التي لا يمكن أن تصدر دون بركته، عمد إلى حث الإيرانيين على التوجه لمراكز الاقتراع وأصدر فتوى تحرم ترك البطاقة الانتخابية بيضاء عند التصويت "أي خالية من اسم أي مرشح". وفي إيران - حسب قول المسؤولين ورجال الدين هناك - فإن الفتوى الصادرة من الولي الفقيه هي بمنزلة نص مقدس واجب التنفيذ.
أي متابع لشؤون إيران لن تفوته التركيبة العائلية أو حتى العشائرية أحيانا لنظام الحكم. التوارث والتسلسل العائلي في التركيبة الطائفية الدينية في إيران التي محورها ولاية الفقيه، ليس خافيا.
ولم يكن مستغربا بالنسبة لي أن ينبري أعضاء من عائلة رئيسي للدفاع عنه بأسلوب وطريقة بدائية.
قد يصعق الأمر بعض القراء الكرام غير الملمين بتركيبة نظام الحكم في إيران، إلا أن إمام صلاة الجمعة في مدينة مشهد - ثاني أكبر مدينة في إيران بعد العاصمة طهران - وهو حمو رئيسي - والد زوجته - استغل خطبة الجمعة قبل أيام من الانتخابات للهجوم على كل من يرمي بطاقة بيضاء في صناديق الاقتراع واصفا إياهم بالكفرة.
نعت الآخرين بالكفر وبهذا الأسلوب لعمري أمر مشين حقا، لكن لم يشأ حمو رئيسي - والد زوجته - أن تسقط فتوى خامنئي أرضا، وتظهر بطاقات بيضاء كثيرة عند عد الأصوات، ما قد يشير إلى طعنة في شرعية النظام وشرعية نظام الحكم المستند إلى ولاية الفقيه.
لكن إن كان لنا أن نقدم توصيفا منصفا للانتخابات الرئاسية الأخيرة في إيران، فإن أنزه توصيف قد يكون "انتخابات البطاقة البيضاء" حيث جازف ملايين الإيرانيين تاركين بطاقاتهم خالية من أي اسم، في موقف سيدخل تاريخ الانتخابات ليس في إيران فحسب، بل ربما العالم.
كان عدد البطاقات البيضاء أكثر مما حصل عليه أي مرشح منافس لرئيسي، أي البطاقة البيضاء أتت الثانية في التسلسل. وإن أخذنا الخشية والخوف اللذين يعتمران القلوب في بلد ونظام مثل إيران، يكون أصحاب البطاقات البيضاء هم الفائزون في الانتخابات. إنهم برهنوا عقم "الفتوى" التي أصدرها خامنئي، وثانيا تحدوا حما رئيسي، وهو رجل دين بارز في إيران، حيث استهجنوا وصفه لهم بالكفرة ورموا بطاقات بيضاء بالملايين في صناديق الاقتراع تحديا.
وأنا أراقب هذه الانتخابات، كنت أقول في نفسي ألا يستحق الشعب الإيراني أناسا أفضل من هؤلاء؟.
إنشرها