Author

تحول نظام الطاقة يسرع أزمة العرض

|
حاليا، هناك عدد من الاتجاهات المحتملة في إمدادات النفط وأسعاره. مستوى الاستثمار الحالي في المشاريع الجديدة غير كاف للحفاظ على إنتاج النفط عند المستويات الحالية. لقد كانت الرسالة الموجهة من صناديق الاستثمار مثل Blackrock إلى شركات النفط والغاز العالمية واضحة تماما، حيث تسعى هذه الصناديق إلى تركيز التمويل على مشاريع الطاقة الجديدة، وتدعي أن الإمدادات الجديدة من النفط والغاز غير مطلوبة.
ومن المفارقات، أن موجة الاستثمار في الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات ESG في أسواق الطاقة العالمية قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير، حيث سنشهد نقصا خطيرا في الإنفاق الرأسمالي على مشاريع النفط والغاز الجديدة مع استمرار نمو الطلب على النفط الخام. حتى إن وكالة الطاقة الدولية بعد تقريرها الأخير "صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050" الذي دعا إلى عدم الحاجة إلى مزيد من الاستثمارات في النفط والغاز، قالت: إن مجموعة "أوبك +" تحتاج إلى رفع الإنتاج لإبقاء أسواق النفط العالمية مزودة بإمدادات كافية. لقد أصبح ضغط المستثمرين تشديد اللوائح التنظيمية للانبعاثات من قبل الحكومات، والاحتجاجات العامة ضد أعمالهم، إلى حد ما، الوضع الطبيعي الجديد لشركات النفط العالمية. وعلى ما يبدو أن العالم - أو على الأقل الأجزاء الأكثر ثراء فيه - يريد من صناعة النفط التوقف عن كونها صناعة النفط. ويسهم الآن عدد متزايد من المستثمرين في هذه الضغوط. وأصبح الاستثمار في الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات هو الوضع السائد أو موضة العصر، حيث يتزايد عدد الصناديق المستدامة المتداولة في البورصة ETFS بمعدل كبير جدا. لكن بعض المستثمرين يتخذون نهجا مختلفا. إنهم يراهنون على النفط. لأن كثيرين في معسكر الضغط يبدو أنهم يقللون من شأن حقيقة أن شركات النفط العالمية ليست اللاعب الوحيد في أسواق النفط.
في هذا الصدد، قال الرئيس التنفيذي لشركة شل في وقت سابق من هذا الشهر: "تخيل شركة شل قررت التوقف عن بيع البنزين والديزل اليوم". هذا بالتأكيد من شأنه أن يخفض انبعاثات الكربون من شركة شل. لكنها لن تساعد العالم ولو قليلا. الطلب على الوقود لن يتغير. لأن الناس سيملأون سياراتهم وشاحناتهم في محطات الخدمة الأخرى".
الحقيقة، بقدر ما هي غير مستساغة بالنسبة لكثيرين في جانب الدفع نحو تحول نظام الطاقة، هي أن العالم لا يزال يعمل على النفط. الطلب على النفط يتزايد منذ عقود مع تزايد احتياجاتنا من الطاقة ومع تزايد عدد سكان العالم. كما أن استخدام الوقود الأحفوري في ارتفاع مستمر رغم - وهذا أمر مهم - الطفرة الكبيرة في إنتاج الطاقة المتجددة على مدى العقد الماضي. وفقا لتقرير صادر عن إحدى الجهات المعنية بسياسات الطاقة المتجددة وهي REN21، لم تتغير حصة الفحم، النفط والغاز في مزيج الطاقة العالمي خلال العقد الماضي.
لذلك، لا يزال الطلب على النفط في ارتفاع، لكن الضغط على شركات النفط الكبرى التي تستخرج النفط يتزايد لدرجة أن هذه الشركات تضطر إلى تقليل إنفاقها على الإنتاج المستقبلي. هناك طريقة واحدة فقط يمكن من خلالها إنهاء مثل هذا الموقف، وهي ارتفاع أسعار النفط مع بقاء الطلب قويا. لا عجب إذن أن يقوم بعض المستثمرين بتوسيع استثماراتهم في قطاع النفط والغاز.
في الواقع، أشار مقال نشر في صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن "الاستثمار المخطط له في إمدادات النفط على مستوى العالم يقل بنحو 600 مليار دولار عما هو مطلوب لتلبية الطلب المتوقع بحلول عام 2030 وفقا لـ JPMorgan Chase & Co. هذا جيد من منظور تحول الطاقة لكن ليس من منظور تلبية الطلب على النفط. وهي مشكلة طويلة الأمد.
وفي هذا الصدد، قال محمد باركيندو الأمين العام لمنظمة أوبك، "لا ينبغي أن يزاحم تحول نظام الطاقة أي مصدر آخر للطاقة، لأن جميع مصادر الطاقة اليوم ستكون مطلوبة في المستقبل المنظور". مضيفا أن تعريف "تحول الطاقة" يجب ألا يزاحم أي مصدر للطاقة. وأشار الأمين العام: "بالنسبة لنا في (أوبك)، وفي الصناعة، وفي الاتجاه السائد في المحادثات العالمية، فإن تحول نظام الطاقة ليس انتقالا من مصدر واحد للطاقة إلى آخر".
عليه تحتاج وكالة الطاقة الدولية أيضا إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الحالية ونهجها الصحافي، حيث إن استمرار "التوقعات غير الواقعية" المنتشرة لن يجعل قضيتها أقوى ولن يخدم أسواق الطاقة والمستهلك. بل سيؤدي فقط إلى أزمة في الإمدادات وارتفاع الأسعار.
الخلل القاتل المحتمل في خطة تحول نظام الطاقة التي تتبناها الدول الغنية، هو أنه يبدو أنها تحل جزءا واحدا من العالم محل العالم بأسره. صحيح، هناك كثير من الحديث عن مساعدة الدول النامية على التخلص من الوقود الأحفوري، وهذا الحديث يشمل حتى المال لكن هذا أبعد ما يذهبون إليه. ومع ذلك، لا يزال هناك حتى الآن أكثر من مليار شخص حول العالم لا يحصلون على الكهرباء على الإطلاق.
من المحتمل أن يظل هذا هو الحال لفترة طويلة، لأنه يبدو أن أنصار الدفع القوي نحو تحول الطاقة قد نسوا شيئا آخر وهو أنه حتى الطاقة المتجددة هي عمل تجاري - والشركات تتطلب أرباحا. إفريقيا هي مثال على ذلك: تمتلك القارة موارد وفيرة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ومع ذلك لا يتم تسخيرها بشكل كامل. السبب: لا يوجد عدد كاف من العملاء الذين يستطيعون أن يدفعوا لمحطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في المستقبل لديمومة عملها.
يبدو أن أحدث الاتجاهات في التداول والاستثمار تتبع سياسات الدفع بدلا من المنطق. على سبيل المثال، لاحظ بعض المحللين أن المتداولين كانوا يشترون بيتكوين في سوق هابطة ويتجاهلون النفط في سوق صاعدة. في الواقع، ما يظهره هذا هو انقسام كبير بين توجهات المتداول وسياساته وواقعه. في العالم الحقيقي، تمتلك عملة بيتكوين بصمة انبعاثات كبيرة، في حين يعتمد مئات الملايين من الناس على الوقود الأحفوري لاحتياجاتهم من الطاقة وسيواصلون الاعتماد عليها، لأنه ليس الجميع يستطيع تحمل تكاليف الطاقة المتجددة، إضافة إلى تحديات أخرى لا مجال لذكرها، لا تزال تواجه انتشارها على نطاق واسع جدا.
بالفعل، في فترة زمنية قصيرة بشكل مثير للدهشة، وضع العالم رهانا لا رجوع فيه على مصادر الطاقة الخضراء - الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والوقود الحيوي - كونها قادرة على تحمل كثير من عبء الطلب العالمي على الطاقة. لكن هذا رهان ودون خريطة طريق واقعية مكتملة الجوانب. الوقت فقط سيحدد ما إذا كان هذا الرهان سيؤتي ثماره. ولن يستغرق هذا وقتا طويلا لمعرفة ذلك.
إنشرها