مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى أم الصغرى؟

لا يخفى أن الاقتصاد العالمي لا يزال رهينة الدول الرأسمالية الغربية، وفي مقدمتها مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في العالم.
وانطلق اجتماع دوري مهم لهذه المجموعة في بريطانيا الأسبوع الماضي. تابعت جلسات المؤتمر وبياناته وخطابات زعماء قادة دوله محاولا القراءة بين السطور وملقيا بعض الضوء على ما يضمره هؤلاء الكبار لبقية العالم مجتمعين وفرادى.
أظن أن الذي يفرق الدول السبع الكبرى التي تمسك بزمام تراكم الثروة، أو بالأحرى حيز كبير من إنتاج الثروة، أكثر مما يجمعها رغم ما تبديه على السطح من تماسك وإجماع.
والمجموعة ليست متناسقة ولأعضائها السبع توجهات شتى حتى بقدر تعلق الأمر بالبيان الختامي الذي يتطلب نشره توافقا في الحد الأدنى بين الأعضاء.
وكان هناك جو من الانشراح في هذه القمة في غياب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، الذي كان يتخذ مكانة الولايات المتحدة الاقتصادية والعسكرية كالدولة الأعظم في العالم لبث ما يرقى إلى الرعب في صفوف المؤتمرين.
وهنا أشير إلى بعض اللقطات التي كان يظهر فيها ترمب جالسا على كرسي وأمامه منضدة واسعة وزعماء الدول الست الأخرى واقفون حوله وكأنهم يستجدونه وهو يحملق فيهم بعدم اكتراث.
غاب ترمب عن هذه القمة وفي غيابه خسر الصحافيون والمتابعون متعة الضحك والابتسامة وأحيانا الرثاء على عالم مصيره على كف عفريت - والعفريت هنا كان يجسده ترمب الذي كان يبدو أنه في نشوة الانتصار لجعله زعماء الدول الست في المجموعة أتباعا وأندادا وليسوا شركاء.
لم يتورع ترمب من فرض عقوبات اقتصادية أو التهديد بفرضها وبقسوة على أقرب حلفاء الولايات المتحدة، بينهم دول أعضاء في حلف الناتو الذي تقوده أمريكا وأعضاء في مجموعة الدول الصناعية السبع، وهي حتى الآن أكثر مجموعة اقتصادية وسياسية تأثيرا في العالم.
وترمب يبقى الزعيم الأمريكي الوحيد الذي استخدم سلاح الحصار الاقتصادي إلى أقصى مدى ممكن تطبيقا للمفهوم السياسي أو الفلسفي الذي يبرر أي وسيلة ممكنة لتحقيق الغاية وتبريرها على أرض الواقع.
أحكم الطوق على إيران وأظهر أن أمريكا وحدها هي العالم، حيث خنق اقتصادها وسد في وجهها وسائل تواصلها الاقتصادي مع بقية الدول وأقفل صنابير تصدير نفطها.
والأنكى أنه حرم إيران من الحصول على أي إيرادات بالعملة الصعبة لدرجة يعزف فيها حتى الآن أي بنك في العالم عن تحويل دولار واحد لدعم مشترياتها رغم تكدس الودائع الإيرانية فيها دون تصريح خاص من وزارة الخزانة الأمريكية.
ومجرد التلميح بفرض عقوبات اقتصادية كان أحيانا كافيا لانهيار العملة الوطنية وإجبار الحكومات على تلبية المطالب الأمريكية، وهذا ما حدث بالضبط مع تركيا في عهد ترمب حيث هرعت الحكومة إلى إطلاق سراح مواطن أمريكي سجين لديها سويعات بعد قرار ترمب فرض رسوم على بعض الصادرات التركية إلى الأسواق الأمريكية خشية انهيار عملتها.
وكان ترمب صارما وحازما في استخدام أمضى سلاح تملكه أمريكا حاليا، وهو سلاح الحصار الاقتصادي، ولم يتورع عن إشهاره في وجه دول عظمى مثل الصين وروسيا.
سأترك تقييم سياسة الحصار الاقتصادي إلى المقبل من الأيام، لكن أفضل خطاب لتوصيف قمة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في منتجع كورونوال غربي إنجلترا هي العبارة العربية الشهيرة "سبحان مغير الأحوال من حال إلى حال".
لم يكن الجو مشحونا في القمة كما كان في عهد ترمب. هناك إدارة أمريكية جديدة، توصيفها يستند إلى وجهات النظر المختلفة التي لدينا حول الدور المحوري الذي تلعبه واشنطن في العالم، وضعت لنفسها أولويات مختلفة.
عندما تختلف الأهداف والمصالح، يختلف الخطاب وتحل وجهات نظر جديدة محل التي كانت قائمة سابقا، ولهذا لم يكن القادة الست في حاجة إلى انحناء الظهور والتوسل إلى سيد البيت الأبيض الحالي كما فعلوا وهم واقفون على أرجلهم مشكلين نصف دائرة حول الكرسي الذي كان يجلس عليه ترمب وهو يحدق فيهم بما يرقى إلى الازدراء.
الرئيس الحالي جو بايدن أراد أن يظهر بمظهر الزعيم الذي يجمع ما يسمى العالم الحر المتمثل في الدول الصناعية السبع الكبرى، واضعا، على ما يبدو، نهج التحدي الذي اتبعه الرئيس السابق ترمب جانبا.
الرؤى تبدو مختلفة، حيث ترى أمريكا بايدن أن يديها ستكونان مقيدتين إن واجهت وحدها ما تراه ندا لا بل عدوا شرسا مصمما على إزاحتها عن عرش قيادتها للعالم، وهنا أعني الصين.
فكان التركيز على الصين، وبقدر أقل على روسيا. والصين ليست دولة من السهولة بمكان خنقها اقتصاديا في حال لم تلب الرغبة الأمريكية وهي صاغرة. هناك بين الدول السبع من قد لا يستطيع إدارة شؤون اقتصاده دون تعاون وثيق مع الصين.
وكان الصينيون في أعلى درجة الحكمة والحصافة اللغوية في ردهم على التركيز على بلدهم في قمة منتجع كورونوال غربي إنجلترا، حيث وصف ناطق رسمي صيني الدول الصناعية الكبرى وزعماءها بقيادة أمريكا بالمجموعة الصغرى التي لم يعد في إمكانها تقرير مصير العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي