Author

المتقاعدون الشباب

|
شاهدت خبرا يخص المتقاعدين مرفقا معه صورة لكهول في الـ 70 أو الـ 80، ومع تقديري التام لكبارنا الذين عاصروا مختلف التحديات وناضلوا لننتقل إلى ما نحن عليه اليوم، إلا أنهم قد لا يمثلون فئة المتقاعدين الحالية والمقبلة. تتزايد اليوم أعداد المتقاعدين الأصغر سنا بشكل ملحوظ. والمسألة ليست متأثرة بسن التقاعد النظامي فقط، فالأسباب والظروف التي تؤثر في أعداد وأعمار هذه الشريحة مختلفة، جزء كبير منها مرتبط بتطور آليات العمل واستراتيجياته في القطاعين الخاص والعام، وآخر باختيارات الأشخاص ورغباتهم.
في السابق كان التقاعد المبكر يرتبط باختيار أو اضطرار يقوم به الموظف الحكومي - وربما يحدث عند فئة العسكريين أكثر من غيرهم - وفي حالات أقل بما يسمى "الشيك الذهبي" أو أي برامج أخرى مشابهة في القطاع الخاص. اليوم هناك عدة أحداث استراتيجية على مستوى المؤسسات العامة والجهات الحكومية حتى جهات القطاع الخاص، وغيرها من الأسباب التي تجعل رؤية متقاعد في الـ 50 أو حتى في نهاية الأربعينات من العمر أمرا عاديا. ولهذا الأمر تبعات كثيرة منها ما يرتبط بأسلوب الحياة الذي يضطر إليه المتقاعد ومنها ما يرتبط بأثر هذه القوة المعطلة إنتاجيا، أي إن الأثر شخصي ووطني.
تتضخم تحديات المتقاعدين الذين يتقاعدون في العمر النظامي - وهم شباب أيضا وفق ارتفاعات معدل الأعمار العالمية - وتتضخم أكثر إذا نظرنا لهذه التحديات نفسها عند المتقاعدين الأصغر سنا. ملاحظة: معدل الأعمار في السعودية حسب آخر الإحصاءات يصل إلى 77 عاما. نحن هنا نتحدث عن كفاية الدخل ومدى ملاءمة الدخل التقاعدي لمتطلبات المعيشة، من المسببات لذلك هو أن معظم هؤلاء المتقاعدين الشباب يفتقدون لمصادر الدخل الأخرى، خصوصا الاستثمارية. لا يخفى على أحد أن الادخار المنتظم في أدوات استثمارية متزنة لم يكن أفضل ما نجيده في العقود القليلة الماضية، وهو سلوك قيد التطور حاليا لكن نتائجه ستتطلب مزيدا من الوقت.
ومن التحديات الأخرى أن خيارات قضاء الوقت والاستفادة منه لدى المتقاعد محدودة، إما لأنها فعلا محدودة في محيطه أو لأنه لا يعرف أو غير معتاد على وجودها. مع التحسن الملحوظ في هذا النوع من الخيارات المتعلقة بالاهتمامات والهوايات والأعمال الجانبية وآليات قضاء الوقت إلا أنها الاندماج معها والاستفادة منها لا يزال عصيا على كثيرين، ما يفقدهم القدرة على الانطلاق بحياتهم بشكل جديد ولهذا من الآثار الاجتماعية والنفسية كثير.
لهذه الأسباب يطرح كثيرون فكرة عمل المتقاعد الشاب من جديد وهي مخرج جيد وملائم وربما باب واسع لصنع قيمة استثنائية للفرد والأسرة والاقتصاد، غير أن تحدياتها كثيرة، فالأولوية هي للمقبلين على الحياة من خريجين جدد، وفي اعتقادي أن هناك تحديا ثقافيا كبيرا في أماكن العمل يحد من قبول الأكبر سنا قد يصل إلى التفرقة العمرية في بعض الحالات، إلا أنني لم أر أي تفنيد موضوعي يثبت أو ينفي هذه المسألة في بيئتنا المحلية حتى الآن. من تحديات عمل المتقاعد الأخرى ضعف مهارات البحث عن عمل وضعف القدرة على إعادة استغلال المكتسبات والخبرات السابقة، وهذه فرصة لولادة مكاتب توظيفية متنوعة الاهتمام، وهي أمر نفتقده للشباب وربما منها ما يستهدف المتقاعدين الشباب، فهم قوة أكيدة وقدرة محركة بلا شك.
تحديات التقاعد أمر عالمي موجود في كل الدول، ولدينا اليوم يقترب العدد من مليون متقاعد، وهو في ازدياد، خصوصا مع الأفواج الجديدة من المتقاعدين الشباب، لا ننسى أن نمو توظيف المرأة يعني نموها في مسار التقاعد كذلك وقد يغير جذريا تركيبة المتقاعدين واحتياجاتهم. يزداد كذلك معدل الأعمار باستمرار عاكسا التحسن في الصحة ومقومات الحياة. بما أننا نتميز اليوم في كثير من التحسينات المسرعة التي تنال كل جزء من المنظومة الاقتصادية والاجتماعية، أتمنى أن نستبق الأحداث ونستعد جيدا لتصبح تجربة المتقاعد الشاب إضافة له ولما سيقدم في حياته، وعرفانا بما قدم وأعطى سابقا.
إنشرها