الصراع الاقتصادي وعالم رباعي الأقطاب «2 من 2»
إن تغير المناخ قضية كبرى من المرجح أن تحظى بقدر ضئيل من الاهتمام في عالم ثنائي القطبية الذي تهيمن عليه الصين وأمريكا. في الأعوام الأخيرة بدت الصين أكثر دعما من الولايات المتحدة للاتفاقيات الدولية الرامية إلى الحد من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي. لكن القوتان العظميتان لا تشكلان أكبر مصدرين للانبعاثات الغازية الضارة فحسب، بل تدين كل منهما بالفضل أيضا إلى نماذج اقتصادية كثيفة الاستهلاك للطاقة. وستظل الصين معتمدة على نمو التصنيع في حين يعمل المستهلكون وصناعات النمو “مثل الحوسبة السحابية” على إدامة الطلب المرتفع على الطاقة في الولايات المتحدة. وبوسعنا أن نتوقع تفوق المصلحة قصيرة الأجل في تحقيق الهيمنة الاقتصادية على الجانبين على مصالح أي طرف آخر في التحول الأخضر السريع.
من المرجح أن تحظى كل هذه المشكلات بقدر أعظم من الاهتمام في عالم يهيمن عليه قطبان إضافيان، يمثلهما الاتحاد الأوروبي واتحاد بين اقتصادات ناشئة، ربما في إطار منظمة جديدة - ”مجموعة الدول العشر” - يتألف من المكسيك، والبرازيل، والهند، وإندونيسيا، وماليزيا، وتركيا، وجنوب إفريقيا، ودول أخرى. مثل هذا العالم رباعي القطبية سيكون أقل ميلا إلى السماح بنشوب حرب باردة جديدة، وسيجلب أصواتا أكثر تنوعا للحوكمة العالمية.
من جانبه، برز الاتحاد الأوروبي بالفعل كنصير لمعايير حماية الخصوصية وتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى، وهو في وضع جيد يسمح له بمقاومة الأتمتة الخوارزمية. ورغم أن الشركات الأمريكية والصينية هي التي تثير - إلى حد كبير - المخاوف بشأن الخصوصية، واستغلال المستهلكين، والذكاء الاصطناعي الذي يزيح العمالة، فإن السوق الأوروبية ضخمة ومهمة إلى الحد الذي يجعلها قادرة على إمالة ساحة اللعب في الاتجاه المرغوب فيه على مستوى العالم.
لكن القطب الاستراتيجي الذي يمثل الاقتصادات الناشئة ربما يكون أكثر أهمية وتأثيرا. فإذا استمر الذكاء الاصطناعي في إزاحة البشر في محل العمل، فستكون الاقتصادات الناشئة الخاسر الأكبر، لأن ميزتها النسبة تتمثل في العمالة البشرية الوفيرة. ومع تسبب الأتمتة في خفض المعروض من الوظائف التي جرى نقلها في السابق إلى الخارج إلى هذه الاقتصادات، فمن الأهمية بمكان أن يكون لها صوت في المناقشات العالمية التي ستحدد كيفية تصميم ونشر التكنولوجيات الجديدة.
من الممكن أيضا أن تشكل أوروبا والعالم الناشئ جمهورا قويا ضد انبعاثات الوقود الأحفوري. في حين أصبح الاتحاد الأوروبي رائدا عالميا في مجال إزالة الكربون، فإن الاقتصادات الناشئة لديها مصلحة قوية للغاية في العمل المناخي، لأنها ستعاني على نحو غير متناسب الاحتباس الحراري الكوكبي رغم إسهامها في أقل قدر في المشكلة.
من المؤكد أن العالم رباعي القطبية لن يكون حلا سحريا. ففي ظل مجموعة أوسع من الأصوات وإمكانية نشوء تحالفات أكثر انتهازية، سيكون من الصعب للغاية إدارة مثل هذا العالم مقارنة بالعالم أحادي القطبية في الماضي القريب. ومع خضوع كل من البرازيل والمكسيك وتركيا الآن - على سبيل المثال - لقيادة حكام مستبدين عازمين على إسكات خصومهم ووسائل الإعلام المستقلة، ومنظمات المجتمع المدني، من المحتم أن تجد أوروبا نفسها على خلاف مع هذه الكتلة عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان والديمقراطية.
مع ذلك، وحتى في هذه الحال، فإن العالم رباعي القطبية من شأنه أن يوفر قدرا أعظم من الأمل مقارنة بالبديل ثنائي القطبية. إن جلب هذه الدول إلى طاولة المفاوضات الدولية قد يجعلها أكثر استعدادا لتشجيع المعارضة في الداخل. علاوة على ذلك، لن تتعاون الاقتصادات الناشئة كجبهة موحدة إلا إذا تخلت عن سلوكها الأكثر استبدادا وتدميرا ونزوعا إلى النعرة القومية. وعلى هذا فإن التبشير بقدوم عالم رباعي القطبية ربما يفضي إلى أرباح غير متوقعة.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2020.