إدارة التعافي بمساراته المتباعدة «2 من 3»
يظهر التعافي المتباين داخل البلد الواحد أيضا، حيث تظل العمالة الشابة والأقل مهارة أكثر تضررا من الأزمة. كذلك شهدت النساء مزيدا من المعاناة، خاصة في الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. ولأن الأزمة أدت إلى تسارع قوى التغيير الممثلة في الرقمنة والأتمتة، فكثير من الوظائف التي فقدت لا يرجح أن تعود، ما يتطلب إعادة توزيع العمالة عبر القطاعات، وهو ما يحمل معه في الأغلب تقليصا حادا للدخول.
وقد أمكن الحيلولة دون نتائج أسوأ بكثير، بفضل سرعة تحرك السياسات عالميا، بما في ذلك الدعم المالي الذي بلغ 16 تريليون دولار. وتشير تقديراتنا إلى أن الانهيار الحاد في العام الماضي كان يمكن أن يكون أسوأ بثلاثة أضعاف لولا هذا الدعم.
ونظرا لأنه قد تم تجنب وقوع أزمة مالية، فمن المتوقع أن تكون خسائر المدى المتوسط أقل من الخسائر التي أعقبت الأزمة المالية العالمية لعام 2008، بنسبة تبلغ نحو 3 في المائة. غير أنه على خلاف ما حدث بعد أزمة 2008، فإن الأسواق الصاعدة والدول منخفضة الدخل هي التي يتوقع أن تعاني ندوبا أكبر، نظرا لامتلاكها حيزا أضيق للتصرف من خلال السياسات.
غير أن توقعاتنا يخيم عليها قدر كبير من عدم اليقين. ومن شأن تسريع التقدم في عمليات التطعيم أن يؤدي إلى رفع التنبؤات، لكن استمرار الجائحة لفترة أطول مع وجود سلالات جديدة متحورة من الفيروس قادرة على تجنب تأثير اللقاح يمكن أن يتسبب في خفض حاد للتوقعات. وحالات التعافي التي تتقدم بسرعات متعددة يمكن أن تنشئ مخاطر مالية إذا ارتفعت أسعار الفائدة في الولايات المتحدة بطرق غير متوقعة. ومن شأن هذا أن يتسبب في انهيار غير منظم لتقييمات الأصول المتضخمة، وتشديد الأوضاع المالية بدرجة حادة، علاوة على تدهور احتمالات التعافي، خاصة بالنسبة لبعض الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية التي تعتمد على الرفع المالي الفائق.
وبشأن التعاون من أجل فرصة عادلة للجميع، فإنه يحتاج صناع السياسات إلى مواصلة دعم اقتصاداتهم، بينما يواجهون حيزا أضيق للتصرف من خلال السياسات ومستويات مديونية أعلى مقارنة بما قبل الجائحة. ويتطلب هذا اتخاذ تدابير أفضل في الاستهداف بغية ترك مجال للدعم المطول إذا دعت الحاجة إليه. ومع حالات التعافي التي تتقدم بسرعات متعددة يصبح من الضروري اتباع منهج يتلاءم مع كل حالة على حدة، حيث يتم ضبط السياسات جيدا حسب مرحلة الجائحة وقوة التعافي الاقتصادي والخصائص الهيكلية لكل بلد.
أما الآن، فينبغي أن ينصب التركيز على الإفلات من براثن الأزمة الصحية بإعطاء أولوية للإنفاق على الرعاية الصحية، أي على عمليات التطعيم والعلاج والبنية التحتية للرعاية الصحية. وينبغي التأكد من دقة توجيه الدعم المقدم من المالية العامة إلى الأسر والشركات المتضررة. كذلك ينبغي للسياسة النقدية أن تظل تيسيرية ما دام التضخم على المسار الصحيح، مع اعتماد منهج استباقي في معالجة مخاطر الاستقرار المالي باستخدام الأدوات الاحترازية الكلية.
ومع التقدم في دحر الجائحة وعودة أوضاع سوق العمل إلى طبيعتها، ينبغي التوقف بالتدريج عن تقديم الدعم من قبيل تدابير الحفاظ على العمالة. ففي تلك المرحلة، ينبغي التركيز أكثر على إعادة توزيع العمالة، بما في ذلك عن طريق الدعم المالي الموجه لتشغيل العمالة، وإعادة صقلهم بمهارات جديدة... يتبع.