Author

التعافي ومساراته المتباعدة وخطورة الاستقرار المالي «2 من 2»

|

المستشار المالي ومدير إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية في صندوق النقد

بينما حدث بعض الارتفاع في عائدات السندات الحكومية أيضا في بعض دول أوروبا وغيرها، وإن كان ارتفاعا أقل من مثيله في الولايات المتحدة، فإن مصدر القلق الأكبر يأتي من الأسواق الصاعدة، حيث قد يحدث تحول سريع في إقدام المستثمرين على المخاطرة. وإذ يواجه كثير من هذه الدول احتياجات كبيرة للتمويل الخارجي، فإن تشديد الأوضاع المالية العالمية بشكل حاد ومفاجئ من شأنه تهديد تعافيها بعد انتهاء الجائحة. ويمثل التقلب الذي شهدته أخيرا تدفقات الحافظة إلى الأسواق الصاعدة تذكرة بهشاشة هذه التدفقات.
وحول تلبية احتياجات الغد ورغم امتلاك عديد من اقتصادات الأسواق الصاعدة احتياطيات دولية كافية، وكون الاختلالات الخارجية أقل بروزا بشكل عام على أثر التقليص الكبير للواردات، فإن بعض اقتصادات الأسواق الصاعدة قد تواجه تحديات في المستقبل، خاصة إذا ارتفع التضخم واستمرت زيادة تكاليف الاقتراض. وقد ارتفعت عائدات الأسواق الصاعدة بالعملة المحلية ارتفاعا ملحوظا، مدفوعة في ذلك على نحو مهم بارتفاع علاوات الأجل. وحسب تقديرنا، فإن ارتفاع علاوات الأجل الأمريكية بمقدار 100 نقطة أساس يرتبط في المتوسط بارتفاع قدره 60 نقطة أساس في علاوات الأجل لدى الأسواق الصاعدة. وكثير من الأسواق الصاعدة لديها احتياجات تمويل كبيرة هذا العام، وبالتالي فهي معرضة لمخاطر ارتفاع أسعار الفائدة بمجرد قيامها بإعادة تمويل الدين وتمويل عجوزات المالية العامة الكبيرة في الشهور المقبلة. أما الدول ذات المراكز الاقتصادية الأضعف، بسبب فرصها المحدودة في الحصول على اللقاحات، على سبيل المثال، فقد تواجه بدورها تدفقات حافظة خارجة. وبالنسبة لكثير من اقتصادات الأسواق الواعدة، لا يزال الوصول إلى التمويل باعث قلق أساسيا نظرا لمحدودية فرص النفاذ إلى أسواق السندات.
وإذ تعمل الدول على تكييف السياسات للتغلب على الجائحة فإن البنوك المركزية الكبيرة ستحتاج إلى الإفصاح بعناية عن خطط سياساتها لمنع التقلب المفرط في الأسواق المالية. وقد تحتاج الأسواق الصاعدة إلى النظر في تدابير على صعيد السياسات لمعالجة التشديد المفرط للأوضاع المالية المحلية. غير أن عليها أن تكون على وعي بالتفاعلات فيما بين السياسات وبالأوضاع الاقتصادية والمالية الخاصة بها، في سياق تصديها لإدارة السياسة النقدية وإدارة المالية العامة والسياسة الاحترازية الكلية وتدفق رأس المال، والتدخل في سوق الصرف الأجنبية.
ويظل استمرار الدعم من السياسات ضروريا، لكن التدابير الموجهة مطلوبة أيضا لمعالجة مواطن الضعف وحماية التعافي الاقتصادي. وينبغي لصناع السياسات دعم معالجة الخلل في الميزانية العمومية - وذلك، على سبيل المثال، بتقوية إدارة الأصول المتعثرة. وينبغي أن تكون إعادة بناء هوامش الأمان في الأسواق الصاعدة من أولويات السياسة بغية الاستعداد لإمكانية إعادة تسعير المخاطر واحتمال انعكاس مسار تدفقات رأس المال.
وإذ يبدأ العالم طي صفحة جائحة كوفيد - 19، سيستمر تعرض صناع السياسات للاختبار في التعامل مع تعاف غير متزامن وذي مسارات متباعدة، وفجوة متزايدة بين الأغنياء والفقراء، واحتياجات تمويلية أكبر في ظل ميزانيات مقيدة. ولا يزال الصندوق على استعداد لدعم جهود دوله الأعضاء في استخدام السياسات لمواجهة الفترة المقبلة المشوبة بعدم اليقين.

إنشرها