Author

التعافي ومساراته المتباعدة وخطورة الاستقرار المالي «1 من 2»

|
بعد اجتياز عام 2020 الذي ماج بالاضطرابات، أخيرا بدأ الاقتصاد العالمي يخرج من براثن أسوأ المراحل في جائحة كوفيد - 19، وإن كانت الآفاق تتخذ مسارات شديدة التباعد عبر المناطق والبلدان، وفي فترة لم تتجاوز عاما ضائعا واحدا توقفت فيه الحياة. وكان من الممكن أن تصل الصدمة الاقتصادية إلى أسوأ من ذلك بكثير لو أن الاقتصاد العالمي لم يتلق الدعم غير المسبوق الذي قدمته البنوك المركزية من خلال إجراءات السياسة النقدية وتدابير المالية العامة التي نفذتها الحكومات.
وتراقب الأسواق العالمية الارتفاع الراهن لأسعار الفائدة الأمريكية طويلة الأجل، يساورها القلق من أن تؤدي زيادة هذه الأسعار بصورة مفاجئة ومستمرة إلى تشديد الأوضاع المالية، ما قد يضر بآفاق النمو. ومنذ آب (أغسطس) 2020، ارتفع العائد على سندات الخزانة لأَجل عشرة أعوام بمقدار 1.25 نقطة مئوية ليصل إلى 1.75 في المائة في مطلع نيسان (أبريل) 2021، مقتربا من جديد من مستواه السابق على الجائحة في مطلع 2020.
والخبر السار هو أن تصاعد أسعار الفائدة في الولايات المتحدة كان مدفوعا في جانب منه بتحسن آفاق نشر اللقاح وازدياد قوة النمو والتضخم. وارتفع كل من أسعار الفائدة الاسمية والحقيقية، وإن كانت العائدات الاسمية قد ارتفعت بدرجة أكبر، ما يشير إلى أن التضخم المستدل عليه من توقعات السوق - وهو فرق العائد على سندات الخزانة الاسمية والمرتبطة بمؤشر التضخم - يواصل التعافي. وكان الحفاظ على قدر متواضع من التضخم هدفا مقصودا للسياسة النقدية التيسيرية.
أما الخبر غير السار، فهو أن الزيادة قد تعكس حالة من عدم اليقين بشأن المسار المستقبلي للسياسة النقدية، وربما قلق المستثمرين بشأن زيادة عرض سندات الخزانة لتمويل توسع المالية العامة في الولايات المتحدة، كما يتضح من الارتفاع الحاد في علاوة الأجل "التعويض الذي يتلقاه المستثمرون عن مخاطر سعر الفائدة". وبدأت الأطراف المشاركة في السوق التركيز على توقيت تراجع الاحتياطي الفيدرالي عن مشترياته للأصول، ما قد يدفع أسعار الفائدة طويلة الأجل وتكاليف التمويل إلى مستوى أعلى، وهو ما يقود إلى تشديد الأوضاع المالية، ولا سيما إذا صاحب ذلك انخفاضا في أسعار الأصول ذات المخاطر.
وبشأن الانعكاسات العالمية وللتوضيح نقول: إن أسعار الفائدة العالمية لا تزال منخفضة بالمعايير التاريخية. لكن سرعة تعديل الأسعار يمكن أن تولد تقلبا غير محمود في الأسواق المالية العالمية، مثلما شاهدنا هذا العام. فالأصول مسعرة على أساس نسبي، وسعر كل أصل مالي - من القرض العقاري البسيط إلى سندات الأسواق الصاعدة - مرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بمعيار أسعار الفائدة الأمريكية. وقد صاحب الارتفاع السريع والمستمر في أسعار الفائدة هذا العام زيادة في درجة التقلب، مع مخاطر تهدد بزيادة كثافة هذه التذبذبات.
وقد تؤدي زيادة مفاجئة وغير متوقعة في أسعار فائدة الولايات المتحدة إلى تشديد الأوضاع المالية مع تحول المستثمرين إلى وضعية تخفيض التعرض للمخاطر وحماية رأس المال. وقد يكون ذلك مبعثا للقلق بالنسبة لأسعار الأصول ذات المخاطر. فالتقييمات تبدو مفرطة في بعض شرائح الأسواق المالية، ومواطن الضعف تزداد أكثر فأكثر في بعض القطاعات.
حتى الآن، لا تزال الأوضاع المالية العالمية ميسرة بوجه عام. لكن البلدان التي يسير فيها التعافي بخطى أبطأ حيث عمليات التطعيم متأخرة عن أماكن أخرى، قد لا تكون اقتصاداتها مستعدة بعد لأوضاع مالية أكثر تشديدا. وقد يضطر صناع السياسات إلى استخدام السياسة النقدية وسياسة سعر الصرف لموازنة أي تشديد محتمل... يتبع.
إنشرها