هل فكرت يوما في حقيقة بعض المسلمات في حياتك، لو نظرت إلى أي خريطة وقيل لك حدد الجهات الأربع عليها، ستضحك من سطحية السؤال لأنه من البديهي لديك أن الشمال في الأعلى والجنوب قبالته في الأسفل والغرب على يمين الخريطة والشرق على يسارها.. لكن الواقع خلاف ذلك فالشمال ليس في الأعلى دائما!
لو رجعنا إلى المعنى الحقيقي لكلمة شمال في اللغات المختلفة سنجد أن شمال
"نورث" بالإنجليزية مأخوذة من اللغة الألمانية وتعني الجهة المعاكسة لشروق الشمس وفي العربية يكون الشمال بمعنى اليسار، أما في اللغة الهنغارية فشمال تعني الليل!
إذا فكلمة شمال أساسا لا تعني الأعلى حتى لغويا، فما الذي جعلها تتربع على عرش الخرائط، وأين يقع الشمال الحقيقي؟
لقد أوهمنا راسمو الخرائط عن غير قصد بأن الشمال تعني العلو دائما، فالطريقة التي رسمت بها الخرائط على مر العصور، كان لها انعكاسات نفسية على الشعوب، حيث يرى الباحثون أن فهم الإنسان لمكان وجوده في العالم له انعكاسات على حياته، ويختلف المكان الذي يحتل الجزء الأعلى من الخريطة وكذلك وسطها حسب ثقافة الشعوب ومعتقداتها الدينية والاجتماعية!
فكل إنسان يريد أن يرى وطنه في الأعلى وهذا ما فعله البابليون حين رسموا خريطة العالم قبل أربعة آلاف عام ووضعوا بابل في الأعلى وبلاد فارس في الأسفل بينما الحقيقة أنها تقع يسار بابل. وأشار قدماء المصريين إلى الشرق أو موقع الشروق على أنه سقف العالم. ورسم اليابانيون القدماء قصر الإمبراطور في الأعلى وفي مركز العالم، أما المسلمون فتتمثل رؤيتهم للعالم في خريطة الإدريسي الشهيرة ستراه حيث وضع الجنوب في الأعلى، ويرجع ذلك بحسب بعض التأويلات إلى وجود مكة في جنوب العالم وتبعه الصينيون لقرون!
الخرائط في واقع الأمر حكايات ومعتقدات لا حقائق وتمثل وجهة نظر راسمها، بحيث يكون الأقوى وصاحب الثقافة المهيمنة في قمة العالم في الخرائط أو سقفها. ولهذا فإن الغرب احتل سقف الخرائط أو شمالها منذ القرن الـ16 بعد موجة الاستعمار الأوروبي وهيمنته الثقافية والعلمية ما جعل الأنظار تتجه نحوه!
هناك ثلاثة أنواع من الشمال، الشمال المغناطيسي الذي تشير إليه إبرة البوصلة إذ تعد الأرض عبارة عن مغناطيس كبير، والشمال الجغرافي في الخرائط الطبوغرافية وتمثله شبكة من الإحداثيات الديكارتية تلتقي فيه جميع خطوط الطول ويتوافق مع الشمال الحقيقي، حيث يمر المحور الذي تدور حوله الأرض عبر القطبين الشمالي والجنوبي، بينما يفصله عن الشمال المغناطيسي 1900 كيلومتر!!
