default Author

من الابتكار إلى الشمول المالي «2 من 3»

|
نظرا لأن جائحة كوفيد - 19 فرضت التباعد الاجتماعي وعمليات الإغلاق، أصبحت المدفوعات الرقمية شريان حياة لكثير من الناس، حيث تمكنت الشركات الصغيرة من مواصلة قبول المدفوعات، كما تمكن الأفراد من إرسال الأموال إلى
أحبائهم بسرعة وبتكلفة منخفضة. ورغم عدم تمكن الجميع من الحصول على خدمة المدفوعات الرقمية والخدمات المالية، فقد ساعدت التكنولوجيا على سد الفجوات. ففي الفلبين، تم فتح أربعة ملايين حساب رقمي من بُعد في الفترة بين منتصف آذار (مارس) ونهاية نيسان (أبريل) 2020.
واستخدمت الحكومات في جميع أنحاء العالم بنية تحتية رقمية جديدة للوصول إلى الأسر والعمالة غير الرسمية. ففي بيرو تم سداد المدفوعات من خلال منصة Billetera Móvil وهي مشروع دمج بالكامل أكبر شركات الهاتف المحمول والبنوك في البلاد. وفي تايلاند، حقق نظام الدفع السريع التابع للحكومة الغرض نفسه. ويتناقض هذا النجاح تناقضا صارخا مع ممارسة إرسال شيكات ورقية عبر البريد التي يتبعها بعض الاقتصادات المتقدمة، مثل الولايات المتحدة.
وحول اقتصادات الابتكار الرقمي فرغم أن الجائحة ستخلف وراءها أضرارا وتفاوتات اقتصادية كبيرة، إلا أنها ستساعد على الحث على استخدام التكنولوجيات الرقمية التي تيسر تحقيق الشمول المالي وإتاحة الفرص الاقتصادية. لكن هذه التكنولوجيات لن تنجح بمفردها. ولفهم كيف يمكن للتكنولوجيا والسياسات الرقمية أن تساعدا في هذا الصدد، من المفيد البحث أولا في الاقتصادات الأساسية.
ويكمن عدد قليل من عوامل التمكين التكنولوجي في صميم الابتكارات الرقمية، أولها الهواتف المحمولة والإنترنت التي تربط الأفراد والشركات بالمعلومات ومقدمي الخدمات المالية. وعامل التمكين الثاني هو تخزين كميات كبيرة من البيانات الرقمية ومعالجتها. وأخيرا، هناك دور تقوم به تطورات، مثل الحوسبة السحابية، وتعلم الآلة، وتكنولوجيا دفتر الأستاذ الموزع، والتكنولوجيا البيومترية.
لكن في صميم كل هذه الابتكارات تكمن القدرة على جمع المعلومات والوصول إلى المستخدمين بتكلفة منخفضة للغاية. وقام الخبراء الاقتصاديون بتقييم مجموعة من التكاليف المحددة التي تنخفض مع استخدام التكنولوجيات الرقمية، وهناك سمتان اقتصاديتان للتكنولوجيا الرقمية تساعدان على توضيح سبب قوة هذه العوامل والمخاطر التي تشكلها.
أولا، المنصات الرقمية قابلة للتوسع إلى حد كبير. ويمكن اعتبار هذه المنصات جهات وسيطة تساعد مجموعات مختلفة من المستخدمين على العثور على بعضهم بعضا. فعلى سبيل المثال، يقوم مقدم خدمة المحفظة الرقمية بالجمع بين التجار والعملاء الذين يرغبون في سداد مدفوعات آمنة. وكلما زاد في المستقبل الرقمي استخدام العملاء خيار دفع معين، زادت جاذبية قبوله لدى التجار، والعكس صحيح. وهذا مثال على وفورات الحجم التي تتيح لمقدمي الخدمات إمكانية النمو السريع.
وبالمثل، يمكن لشركات التكنولوجيا الكبرى، مثل "أمازون" أو "علي بابا" الصينية، أن تعمل كجهات وسيطة لمساعدة مشتري السلع وبائعيها في العثور على بعضهم بعضا، بل يمكنها أيضا ربط التجار بمقدمي خدمات الائتمان وغيرها. ونظرا لتشكيلة الخدمات التي تقدمها "بما في ذلك غير المالية"، فإنها تمتلك معلومات يمكن أن تكون في غاية الأهمية لعروضها المالية. وهذا مثال على وفورات النطاق التي تمنح ميزة لمقدمي الخدمات الذين لديهم منتجات متعددة.
ثانيا، يمكن للتكنولوجيات الرقمية تحسين عملية تقييم المخاطر من خلال الاستفادة من البيانات نفسها التي تعد نتيجة ثانوية طبيعية لعملها. ويكتسب هذا أهمية خاصة بالنسبة لخدمات مثل الإقراض، وكذلك الاستثمار والتأمين. فغالبا ما يكون نظام الدرجات الائتمانية الذي يعتمد على البيانات الكبيرة وتعلم الآلة أكثر كفاءة من التقييمات التقليدية، خاصة في حالة المقترضين ذوي السجل الائتماني المحدود، أو الأشخاص أو الشركات الصغيرة الذين تكون مستنداتهم الرسمية قليلة أو معدومة.
وتبين أبحاث أجراها خبراء اقتصاديون من بنك التسويات الدولية بالاشتراك مع مؤلفين مشاركين أن ما يقرب من ثلث المقترضين المتعاملين مع شركة Mercado Libre، وهي إحدى شركات التكنولوجيا الكبرى المقرضة في الأرجنتين، لن يتمكنوا من الحصول على قروض من أي بنك تقليدي، وإلى جانب ذلك نجد أن الشركات التي اقترضت من شركة Mercado Libre زادت مبيعاتها وعروض منتجاتها في العام التالي للاقتراض. وتشير أبحاث أجريت استنادا إلى بيانات مستمدة من مجموعة شركات "آنت جروب"، إلى أن شركات التكنولوجيا الكبرى المقرضة أصبحت أقل احتياجا للضمانات نتيجة الاعتماد على البيانات الكبيرة وهو ما يمكن أن يتيح إمكانية الحصول على القروض للمقترضين الذين لا يمتلكون منزلا أو أصولا أخرى لتقديمها كضمان، ويجعل القروض أقل تأثرا بتغيرات أسعار الأصول.
ويمكن لوفورات الحجم والنطاق هذه إلى جانب تحسين القدرة على التنبؤ أن تدفع الشمول المالي إلى الأمام بسرعة فائقة. فمن المؤكد أن الائتمان الذي تقدمه شركات التكنولوجيا الكبرى قد ازدهر في جميع أنحاء العالم في العقد الماضي، حيث ارتفع إلى ما يقدر بنحو 572 مليار دولار في عام 2019، وهذا الإقراض مهم بشكل خاص في الصين وكينيا وإندونيسيا، مقارنة بأسواق الائتمان التقليدية. ويشهد كذلك نموا سريعا في أماكن أخرى وربما يكون قد زاد أثناء الجائحة، حيث ساعدت بعض شركات التكنولوجيا الكبرى في توزيع القروض الحكومية على الشركات.
ومع ذلك، فلكل شيء إذا ما تم نقصان، والتقدم الذي حققته البيانات الكبيرة له عيوب، ولا سيما الميل نحو الاحتكارات. ففي بعض الاقتصادات، أصبح مقدمو خدمات الدفع والمقرضون من شركات التكنولوجيا الكبرى مؤثرين في النظام المالي أكبر من أن يفشلوا. وقد يؤدي الميل إلى شراء الشركات المنافسة إلى الحد من الابتكار. وأخيرا، هناك خطر كبير يتمثل في إساءة استخدام البيانات الحساسة وانتهاك الخصوصية. وهناك حاجة إلى سياسات عامة ذكية للتخفيف من هذه المخاطر، مع إتاحة الفرصة لتحقيق إمكانات التكنولوجيات الرقمية... يتبع.
إنشرها