إعادة بناء عالم ما بعد كوفيد «3 من 3»
مسار تكنولوجيا المستقبل الذي يتمحور حول الأتمتة ليس قدرا محتوما. فهو نتيجة اختيارات الباحثين الذين يركزون على تطبيقات الأتمتة على حساب الاستخدامات الأخرى للتكنولوجيا، واختيارات الشركات التي تبني نماذج عملها على الأتمتة وتخفيض تكاليف العمالة بدلا من زيادة الإنتاجية على نطاق واسع. ويمكننا اتخاذ خيارات مختلفة لكن هذا التصحيح في المسار يتطلب جهودا متضافرة لإعادة توجيه التغير التكنولوجي، وهو ما لا يمكن أن يحدث إلا إذا قامت الحكومة بدور محوري في تنظيم التكنولوجيا.
اسمحوا لي أن أوضح أنني لا أقصد قيام الحكومة بعرقلة التكنولوجيا أو إبطاء التقدم التكنولوجي. بل ينبغي للحكومة أن تقدم حوافز من شأنها تحويل تكوين الابتكارات بعيدا عن التركيز المفرط على الأتمتة وتوجيهه نحو تكنولوجيات ملائمة لاحتياجات الإنسان توفر فرص العمل، خاصة الوظائف الجيدة، وتتيح اقتسام الازدهار الاقتصادي على نطاق أوسع. ولا نعلم تحديدا ما هي التكنولوجيات التحويلية الأكثر ملاءمة لاحتياجات الإنسان، لكن عديد من القطاعات يوفر كثيرا من الفرص. ومن هذه القطاعات التعليم، حيث يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في التدريس الأكثر قابلية للتكيف والمرتكز على الطالب ويجمع بين تكنولوجيات جديدة ومعلمين أفضل تدريبا، والرعاية الصحية، حيث يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الرقمية في تمكين الممرضات والفنيين من تقديم خدمات أكثر وأفضل، والتصنيع الحديث، حيث يمكن للواقع المعزز والرؤية الحاسوبية زيادة الإنتاجية البشرية في عملية الإنتاج. وشهدنا أيضا في أثناء الجائحة كيف أدت التكنولوجيات الرقمية الجديدة، مثل زووم، إلى زيادة تواصل البشر وقدراتهم بشكل أساسي.
وربما لا تزال هذه التوصية غير عادية في نظر كثيرين. ألا يعد تأثير الحكومات على اتجاه التكنولوجيا أمرا مشوها للغاية؟ هل يمكنها حقا التأثير في اتجاه التكنولوجيا؟ ألن نفتح الباب أمام نوع جديد من الشمولية مع تدخل الدولة حتى في القرارات التكنولوجية؟
أؤكد أنه لا يوجد في الواقع شيء غير عادي أو جديد في هذه الفكرة. فطالما أثرت الحكومات في اتجاه التكنولوجيا، ونحن نعرف بالفعل كيف نبني المؤسسات التي تقوم بذلك بطريقة أكثر فائدة للمجتمع.
ومن المعتاد أن تؤثر حكومات العالم في اتجاه التكنولوجيا من خلال السياسات الضريبية والدعم المقدم للجامعات وأبحاث الشركات. وكما أوضحت شجعت حكومة الولايات المتحدة الأتمتة من خلال فرض ضرائب غير متكافئة على رأس المال والعمالة. والخطوة الأولى هي تصحيح هذا الاختلال. ومن شأن ذلك أن يقطع شوطا طويلا، لكنه لن يكون كافيا بمفرده. ويمكن عمل ما هو أكثر من ذلك بكثير - على سبيل المثال - من خلال دعم أنشطة البحث والتطوير الموجهة لتكنولوجيات محددة تساعد على زيادة الإنتاجية البشرية والطلب على العمالة.
يقودني هذا إلى الاعتراض الثاني: هل تستطيع الحكومة حقا إعادة توجيه التكنولوجيا بشكل فعال؟ جوابي هو أن الحكومات قامت بذلك في الماضي، وبفعالية مدهشة في كثير من الحالات. لكن التكنولوجيات التحويلية في القرن الـ 20، مثل المضادات الحيوية وأجهزة الاستشعار والمحركات الحديثة والإنترنت، ما كانت ممكنة دون دعم الحكومة والقيادة. ولم تكن لتزدهر بهذا القدر دون مشتريات حكومية كبيرة. وربما تكون الطاقة المتجددة هي المثال الأوثق صلة بالجهود المبذولة لإعادة توجيه التكنولوجيا في مسار ملائم لاحتياجات الإنسان.
فمنذ أربعة عقود، كانت الطاقة المتجددة باهظة التكاليف، وكان هناك افتقار إلى الدراية الفنية الأساسية للتكنولوجيات الخضراء. غير أن الطاقة المتجددة تشكل في الوقت الحاضر 19 في المائة من استهلاك الطاقة في أوروبا، و11 في المائة في الولايات المتحدة، وانخفضت تكاليفها مثلها مثل طاقة الوقود الأحفوري 2020 IRENA. وتحقق ذلك بفضل إعادة توجيه التغير التكنولوجي نحو بذل جهود أكبر لإحراز تقدم في مجال الطاقة المتجددة بعيدا عن التركيز الكبير على الوقود الأحفوري. وكان الدافع الأساسي لإعادة التوجيه في الولايات المتحدة والدعم الحكومي المتواضع للتكنولوجيات الخضراء، إلى جانب معايير المستهلكين المتغيرة.