مبادرات ريادية للإنسان والطبيعة 

 
للسعودية سجل حافل بالاهتمام بالبيئة، وذلك لأسباب كثيرة، لعل أبرزها أن المملكة تقع في أكثر مناطق العالم حرارة، وأي ارتفاع في درجات الحرارة العالمية ستكون له آثار سلبية في اقتصاد المملكة، وفي خططها الرامية إلى استقطاب رؤوس الأموال العالمية. كما أن المملكة تشهد تطورا اقتصاديا ونموا سكانيا مستمرا، وهذا يرفع من الطلب على المياه والطاقة، ما يوجد تحديات بيئية كبيرة.

وقد أنشأت المملكة مراكز أبحاث متقدمة في مجالات الطاقة المتجددة، وتحلية المياه، وإعادة استخدام المياه، وكذلك أبحاث الزراعة الصحراوية. ومكنت هذه الدراسات، ومن خلال الهيئة الوطنية للحماية الفطرية، من إعداد وثيقة "منظومة وطنية للمحافظة على الحياة الفطرية والتنمية الريفية المستدامة في المملكة"، وتم على أثرها إقامة المناطق المحمية في المملكة. كما أن جهود المملكة كبيرة أيضا في ممارسات ضمان سلامة وأمن الغذاء وحماية المستهلك، من خلال الهيئات المتخصصة وتنفيذ الالتزامات باتفاقيات إنشاء المركز الوطني للرقابة على الالتزام البيئي في عام 2019، وهو يعمل مع الأطراف كافة لتحقيق الالتزام البيئي، ورصد التلوث، والتقييم البيئي، وتعزيز الرقابة والإرشاد البيئي.

كما أن المملكة، وخلال فترة رئاستها مجموعة العشرين العام الماضي، سعت إلى إصدار إعلان خاص حول البيئة، وتبني مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، وتأسيس أول مجموعة عمل خاصة للبيئة فيها، وإطلاق مبادرتين دوليتين للحد من تدهور الأراضي وحماية الشعب المرجانية، وبالتالي هي حريصة كل الحرص على قضايا البيئة - كما أشرنا - لأن ذلك مرتكز اقتصادي، وصحي، واجتماعي، وأساس لتحقيق جودة الحياة. وتولي المملكة اهتماما كبيرا بالنواحي البيئية، ويبرز ذلك في المشاريع التي تم اعتمادها أخيرا في السعودية، خاصة في قطاع السياحة، حيث تم التشديد على ضرورة المحافظة على حماية البيئة من الأضرار المختلفة، حفاظا على صحة الإنسان والمكان.

ورغم هذه الجهود الكبيرة جدا، فإن المملكة، وكما قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لا تزال تواجه العواصف الرملية التي تستنزف 13 مليار دولار في المنطقة كل عام، كما أن تلوث الهواء من غازات الاحتباس الحراري قد قلص متوسط عمر المواطنين بمعدل عام ونصف العام، ولذا فإن مواجهة هذه التحديات البيئية تعد أولوية استراتيجية في هذه المرحلة، نظرا إلى ارتباطها بقضايا اقتصادية كبيرة وعدد من مستهدفات رؤية المملكة 2030.

ولتحقيق اختراق قوي في المملكة بشأن قضايا البيئة وإحداث تأثير عالمي دائم، أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، خريطة طريق لحماية الأرض والطبيعة في السعودية والشرق الأوسط، من خلال "مبادرة السعودية الخضراء"، و"مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"، وهذه المبادرات تضع مستهدفات طموحة تتوزع بين قضايا زيادة الغطاء الأخضر، وتقليل الانبعاثات الكربونية وإنتاج الطاقة النظيفة. ففي جانب زيادة الغطاء الأخضر، ستتم زراعة عشرة مليارات شجرة داخل السعودية خلال العقود المقبلة، وهذا البرنامج يتضمن إعادة تأهيل نحو 40 مليون هكتار من الأراضي، وزيادة المساحة المغطاة بالأشجار الحالية إلى 12 ضعفا.

كما ستعمل المبادرة على رفع نسبة المناطق المحمية إلى أكثر من 30 في المائة من مساحة أراضيها التي تقدر بـ600 ألف كيلومتر مربع، وسيكون التأثير العالمي لهذه المبادرات كبيرا من حيث إن مساهمة المملكة تزداد بأكثر من 4 في المائة في الحد تدهور الأراضي والموائل الفطرية، و1 في المائة من المستهدف العالمي لزراعة تريليون شجرة، ورفع نسبة الأراضي المحمية إلى أكثر من 30 في المائة، لتتجاوز المقدر عالميا، والبالغ 17 في المائة من أراضي كل دولة، إضافة إلى عدد من المبادرات لحماية البيئة البحرية والساحلية.

وفي مسار تقليل الانبعاثات الكربونية، ستعمل مبادرة السعودية الخضراء على بناء مشاريع الطاقة المتجددة التي ستوفر 50 في المائة من إنتاج الكهرباء داخل المملكة بحلول عام 2030، ومشاريع في مجال التقنيات الهيدروكربونية النظيفة التي ستمحي أكثر من 130 مليون طن من الانبعاثات الكربونية، إضافة إلى رفع نسبة تحويل النفايات عن المرادم إلى 94 في المائة.

ولي العهد، أكد أن المملكة مصممة على إحداث تأثير عالمي دائم، وانطلاقا من دورها القيادي في المنطقة والعالم، فإن "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"، ستشمل دول الخليج، والأشقاء في دول الشرق الأوسط، للعمل على زراعة 50 مليار شجرة، كأكبر برنامج إعادة تشجير في العالم، واستعادة مساحة تعادل "200 مليون" هكتار من الأراضي المتدهورة، ما يمثل "5 في المائة" من الهدف العالمي لزراعة "تريليون" شجرة، ويحقق تخفيض "2.5 في المائة" من معدلات الكربون العالمية.

وستعمل المملكة ضمن هذه المبادرة على نقل المعرفة ومشاركة الخبرات لتخفيض انبعاثات الكربون الناتجة عن إنتاج النفط في المنطقة بأكثر من 60 في المائة. ومع الخفض المستهدف في المملكة والمنطقة، فإن الجهود المشتركة ستحقق تراجعا في الانبعاثات الكربونية بما نسبته أكثر من 10 في المائة من المساهمات العالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي