كيف تنجح الدول في التصدير؟
سنحاول اليوم الحديث عن استراتيجيات تساعدنا على تبني منهجيات صناعية تحقق أهدافنا الاقتصادية وتحافظ على ثروة النفط المتراكمة من فوائض مبيعات النفط في البلاد. أموالنا الموجودة في النظام المصرفي يذهب جزء كبير منها إلى الخارج لغايات الاستيراد، فتيار أموال البضائع والسلع الاستهلاكية يتجه إلى التجارة الخارجية في صورة مشتريات بضائع وسلع غير سعودية، كما أن جزءا من أموال قروضنا العقارية يذهب إلى فاتورة واردات مواد البناء الخارجية، باستثناء الأسمنت وبعض المواد البسيطة، ثم إنه لولا وجود تيار معاكس ومستمر من الدولارات المتولدة من البترول لكان الاقتصاد السعودي مثل بقية اقتصادات المنطقة. وعلى الرغم من التسرب النقدي الهائل إلا أننا نجحنا في تأسيس قطاعي البتروكيماويات والأسمنت، ويعدان حاليا من أركان اقتصاد التنوع الاقتصادي على المستوى النسبي.
على الصعيد العالمي، يتبع عدد من الدول سياسات مختلفة في تكوين نموذجها الصناعي، فمثلا كوريا الجنوبية تعتمد على النمو الذي تقوده الصادرات التجارية Export-oriented industrialization EOI كصناعة السيارات، في حين أن بعض الدول تعتمد على صناعات الإحلال Import substitution ISI للأسواق الداخلية، وتعتمد في ذلك على حجم سكانها وقدرة أسواقها الداخلية على استيعاب المنتجات، وهناك دول أخرى لديها مزيج من سياسات صناعية تستهدف الأسواق الداخلية والخارجية، ولديها ارتباط وثيق بسلسلة القيمة العالمية.
التيار الدولاري المتولد من النفط يدخل إلى اقتصادنا ويخرج من بوابة السلع الاستهلاكية، وهذا الأمر سيؤدي إلى خروج الأموال ويضعف ميزان تجارة البضائع غير النفطية، كما أنه سيقلل من منافع الاحتفاظ بالثروة، ولا سيما أن بقاء كتلة النقد مرتفعة سيكون عامل جذب للمستثمرين الأجانب مستقبلا، لذا يتعين علينا تصميم استراتيجيتين صناعيتين للاستفادة من تحررنا الاقتصادي: الأولى، تعتمد على إحلال الواردات ISI بهدف صيد الأموال التي تذهب إلى مواد استهلاكية مستوردة من الخارج وفي الوقت نفسه نرفع المحتوى المحلي، واستراتيجية صناعية أخرى تعتمد على تكوين صناعة تصديرية تستهدف الخارج EOI مناصفة بين شركاتنا المحلية والأجنبية، ونعتمد في ذلك على الميزة التنافسية والارتباط بسلسلة القيمة العالمية أو تطبيق استراتيجية المحيط الأزرق المشهورة، وتستهدف الخروج بمنتجات أو خدمات لا توجد فيها منافسة، مثل تبني صناعات يصعب على دول أخرى منافستنا فيها، كتصنيع وتصدير الهيدروجين الأزرق كوقود مستقبلي.
أخيرا: لا يخلو أي عمل استراتيجي من فرص وتحديات، لذا سيكون أول تحد أمامنا تزايد نسبة الأسواق الصاعدة والتنافسية في السيطرة على الأسواق العالمية، ولا يمكننا تطبيق استراتيجية EOI ما لم نختر مشاريعنا التصديرية بعناية، ووفق سلسلة القيمة الإقليمية والعالمية والتنافسية. أما استراتيجية ISI؛ تخفيف فاتورة الواردات التي تمثل مصيدة الأموال، فتحتاج إلى تحسين مستويات جودة المنتجات المصنعة للداخل لتتوافق مع جودة السلع المستوردة، كما أن تنفيذ الاستراتيجيتين يتطلب منا إسناد كل استراتيجية إلى جهة تنفيذية مختلفة لاختلاف النتائج الاقتصادية والاستراتيجية المرجوة.