Author

أمي منيرة

|
رسالة موجعة وصلت إليّ على الخاص في "تويتر" أفسدت يومي كله ودفعتني للبكاء بسبب شعوري بالرثاء نحو تلك الأم. حين نتحدث عن قسوة الأصدقاء والغرباء، فكل أمر قابل للتبرير والنقاش، لكن حين نتحدث عن قسوة الأبناء، فكل تبرير ونقاش لا قيمة له. تقول نورة صاحبة الرسالة، "منذ وعينا على هذه الدنيا ونحن نشاهد قسوة والدي على والدتي وتعنيفه وإهاناته لها، وحين بدأ بضربنا قررت والدتي الانفصال عنه، ولأنه أراد الانتقام منها فقد جعلها أمام خيار صعب: إما أن ينتزعنا منها لنعيش عنده، وإما أن يتنازل عنا بصك شرعي في المحكمة مقابل تنازل والدتي عن مطالبته بنفقتنا. وتنازلت والدتي لتفوز بحضانتنا، ولأنها امرأة أمية، فكان من الصعب أن تحظى بوظيفة. حتى تتمكن من إعالتنا وتلبية مطالبنا، لم تكتف براتب الضمان، بل بدأت بإعداد وبيع أنواع البخور المختلفة التي أبدعت فيها، فازدهرت تجارتها، وأقبلت النساء على الشراء منها بطلبات متزايدة، وحين دخل الإنترنت في حياتنا وضعت متجرا إلكترونيا. كافحت والدتي كثيرا وأفنت زهرة شبابها من أجلنا ومنحتنا كل الحب والتضحية. جميع أشقائي وشقيقاتي تخرجوا في الجامعات وتزوجوا ما عداي أنا، حيث أعمل طبيبة امتياز وشقيقتي الصغرى التي تدرس في آخر عام في الجامعة، وهي أساس المشكلة، فهي تعامل والدتي بشكل مؤلم حين يتعلق الأمر بصديقاتها، إذ تخجل من كون أمي أمية لا تقرأ ولا تكتب، وتبيع بخورا للناس وتلبس (شيلة)، ولذلك تطلب منها عدم الخروج حين يزرنها صديقاتها، لأن شكل أمي (يفشل) - من وجهة نظرها -، بينما معظم أمهات زميلاتها مثقفات وسيدات أعمال وأنيقات، ماذا أفعل معها لأوضح لها بشاعة تصرفاتها وقسوتها على قلب والدتي؟".
لأول مرة أشعر بعجزي عن اصطياد الكلمات المناسبة لمقالي، بل أشعر بعدم الرغبة في إكماله، أيعقل أن يصل تفكير بعض الأبناء إلى هذه البشاعة؟ تضامنا مع أمك يا نورة دعيني أخبرك أن اسم أمي منيرة وهي أمية لا تقرأ ولا تكتب، وتلبس "الشيلة"، وتضع الحناء في يديها باستمرار، وثيابها تفصلها عند الخياط نفسه من 30 عاما وبالكاد لوحة محله واضحة، وتشتري احتياجاتها من سوق أوشيقر والمعيقلية، وماهرة في صنع الجريش، وحاولنا معها كثيرا لتستغل هذا الأمر فرفضت، ولو وافقت، لوضعت أرقام التواصل معها في حسابي في "تويتر"، ولي الشرف بذلك، وليست مثقفة ولا سيدة أعمال، ورغم ذلك أراها سيدة كل نساء الأرض، وأعظم امرأة في العالم، ومن تسول له نفسه النظر إليها بازدراء أشطبه فورا من حياتي!
وخزة
لا شيء أشد ألما من انكسار قلب الأم.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها