Author

الديون .. انفلات أم دعم للتعافي؟

|

تكبدت الدول الكبرى ديونا كبيرة، تعاظمت في أعقاب تفشي وباء كورونا المستجد، حيث وصلت في معظم الدول إلى أكثر من ناتجها المحلي الإجمالي. ولا تزال هذه الديون تتزايد، مع استمرار الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الوباء، حيث أقدمت الحكومات على الاقتراض لتمويل حزم الإنقاذ التي طرحتها منذ مطلع العام الجاري. ألمانيا، الدولة الأكثر تماسكا اقتصاديا على الساحة الأوروبية، لكنها تعرضت كغيرها من بقية دول العالم لخسائر اقتصادية كبيرة، من جراء إغلاق اقتصادها لمحاصرة الوباء، الذي يأتي بسبب تأخر طرح اللقاحات ضد كوفيد - 19، وهو ما أجبر كثيرا من الدول على تمديد إغلاقاتها. ويدافع البنك المركزي الأوروبي عن سياسة الاقتراض في هذا الوقت بالذات، ويطالب الحكومات الأوروبية، وفي مقدمتها ألمانيا، بمواصلة الدعم المالي إلى أن تتضح الصورة العامة تماما. بلغ الدين الألماني في نهاية العام الماضي نحو 2110 مليارات يورو، بارتفاع 11 في المائة مقارنة بعام 2019، ويبلغ حجم الاقتصاد الألماني 4.6 تريليون دولار، لكنه تعرض، مثل بقية الاقتصادات، للانكماش الذي يقدر في العام الماضي عند حدود 5 في المائة. أمام هذا الدين الكبير، تختلف وجهات النظر بين المهتمين، فبعضهم لا يرى مخاطر من ارتفاع حجم الدين الألماني خلال أزمة كورونا، وبعضهم الآخر يحذر من خروج الديون عن السيطرة، وإن كان هذا التحذير مبالغا فيه، نظرا إلى متانة الاقتصاد الألماني باعتباره الأول أوروبيا والرابع عالميا، وقدرته على التعافي السريع قياسا ببقية الاقتصادات المشابهة. فعلى سبيل المثال، تشير التوقعات إلى إمكانية تعافي الاقتصاد البريطاني في العام المقبل، بينما توقعات تعافي اقتصاد ألمانيا تشير إلى هذا العام، فهذا الاقتصاد يبقى الأقوى على الساحة الأوروبية في كل الظروف والأحوال. هذه القروض الكبيرة لا تكلف الدولة كثيرا، لأن الفوائد عليها منخفضة للغاية على المدى الطويل، ويرى معهد "دي آي دبليو" الألماني للبحوث الاقتصادية، أن خدمة قروض كورونا لا تكلف الدولة عمليا أي شيء، بل إنها تجلب دخل فوائد في حالة أسعار الفائدة السلبية، وهذا صحيح إلى أبعد الحدود، دون أن ننسى أن كبح الدين الألماني، يهدد بتباطؤ اقتصادي كبير وإفلاس الشركات من كل الأحجام. فالدين الألماني يدخل ضمن سياق إنهاء الانكماش الذي ضرب البلاد والعالم، وبدء مرحلة النمو بعد التخلص من آثار أعمق ركود اقتصادي حدث في أوروبا منذ أكثر من 100 عام. بعض المراقبين يعدون أن هذا الركود لم يحدث منذ ثلاثة قرون. في ظل اقتصاد كبير، يمكن سداد الديون بسهولة، وهذا الأمر ليس متطابقا في كثير من الدول المتقدمة، ولذلك يعمل البنك المركزي الأوروبي على توظيف الديون في ألمانيا وغيرها، ليس فقط من أجل الإنقاذ، بل لتحقيق النمو المأمول. لا شك، أن أعباء الدين ستستمر أعواما عديدة، لكنها لن تكون ثقيلة. وهنا من الضروري الإشارة إلى أن الأمور لم تعد إلى طبيعتها في ألمانيا وغيرها من الدول، خصوصا في ظل استمرار عمليات التطعيم ضد الفيروس القاتل، وعدم اكتمالها بعد. لكن في النهاية، يمكن للاقتصاد الألماني أن يواجه الأزمة الاقتصادية بقوة أكبر من غيره من الاقتصادات الأوروبية، كما أنه يمكن أن يتحمل أي مستوى من الدين العام، بسبب القاعدة القوية التي يقوم عليها، وألمانيا تتمتع بهذه القوة حتى في ظل مشاركتها الكبيرة جدا في صندوق الإنقاذ الأوروبي، فالديون العامة في بلد يتمتع باقتصاد قوي، لا تشكل قلقا.

إنشرها