القرض الرابع

اتصلت بي إحدى الزميلات انقطعت علاقتي بها منذ تفرقنا في مجال العمل قبل أكثر من عشرة أعوام. بعد التحية وتبادل الأخبار قالت لي وهي تتلعثم خجلا، "أحتاجك تكفليني أبغى آخذ سلفة"، حين بدأت بالنقاش معها حول أمر الكفالة، اكتشفت أن هذا القرض هو الرابع لها وأنها تدفع ما مقداره تسعة آلاف ريال شهريا من راتبها الذي لا يتجاوز 13 ألف ريال، ومع إضافة هذا القرض الذي يبلغ ألفي ريال ستكون قيمة قروضها الشهرية بحدود 11 ألف ريال، ولن يتبقى لها سوى ألفي ريال فقط من راتبها لعدة أعوام. الإشكالية ليست هنا بل الهدف من الاقتراض الذي كان بمنزلة الصدمة بالنسبة لي، حيث أخبرتني أنها ستقيم "عزومة" في منزلها لأخيها المتزوج حديثا، حتى لا تكون طاولة طعامها في منزلها أقل مستوى من طاولة طعام باقي أخواتها وزوجات إخوانها، فإنها مضطرة للاقتراض حتى تشتري طاولة طعام بـ16 كرسيا مع سجادة وإكسسوارات وتغيير الديكور بالكامل، وبكل مهاراتي في الإقناع حاولت أن أوضح لها عواقب تفكيرها المتهور وأنها ستندم على هذا الاقتراض غير المبرر، ولكن كما يقولون "عمك أصمخ"، اعتذرت منها بلباقة لإيماني أن ما ستقدم عليه هو اختيار غير مدروس وستشعر بعواقبه بعد عدة أشهر.
هل وصلت العقليات الاستهلاكية في المجتمع إلى ذلك التهور المالي غير المدروس؟ وهل الكماليات والأثاث أصبحت من الأولويات التي تستحق أن يقترض الشخص من أجلها؟.
مثل هذه الزميلة ربما تعدني ما عندي "فزعة" ولا أقدر احتياج الآخرين، ولكن حين تغرق تماما بقروضها وتعجز عن السداد ويتم إيقاف خدماتها، فستعلم أن اندفاعها المالي لشراء كماليات غير ضرورية هو قمة الحماقة وستدرك بعد فوات الأوان حكمة تصرفي وتهور طلبها، بل ربما تصاب بصدمة العمر حين تضطرها الظروف لطلب سلفة مالية من إخوانها وأخواتها فيتهربون منها. إن شراء سيارة وترميم منزل وتغيير الأثاث والديكور والإكسسوارات المنزلية والسفر يجب أن يسبقها ادخار مالي لا اقتراض مالي يجبر الشخص على استنزاف راتبه بأقساط شهرية تمتد أعواما عدة.
وخزة
لا تسمحي صديقتي لأي كان أن يقيمك من خلال فخامة أثاثك أو رقي طاولة طعامك، من يحترمك لذاتك سيتشرف بك ولو قدمت العشاء له فوق "طبلية". غرقك في القروض المالية وإهدار لحظات حياتك الممتعة في تسديد الديون بفوائدها لن يعوضك عنه ألف تقييم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي