تقارير و تحليلات

قطاع العقارات الأكثر بريقا في الاقتصاد الأمريكي .. نمو مستمر أم فقاعة قريبة؟

قطاع العقارات الأكثر بريقا في الاقتصاد الأمريكي .. نمو مستمر أم فقاعة قريبة؟

ربما كان القطاع العقاري أبرز النقاط المضيئة في الاقتصاد الأمريكي العام الماضي، حيث إنه مع عدم وجود معروض كاف في الأسواق وانخفاض معدلات الرهن العقاري، وزيادة الطلب لعديد من الأسباب، زادت الأسعار بشكل كبير ومعها ارتفعت قيمة الوحدات السكنية، ما أوجد مزيدا من الثروة لأصحاب المنازل.
زيادة أسعار العقارات في جميع أنحاء الولايات المتحدة تقريبا، وكذلك تنامي وتيرة مبيعات المنازل خاصة الجديدة إلى مستويات غير مسبوقة من 14 عاما، دفع عددا متزايدا من الخبراء إلى التساؤل، هل سيواصل هذا القطاع الحيوي نموه هذا العام أيضا، أم أن القطاع يقترب من انفجار فقاعة عقارية أمريكية، بما يؤدي لمرحلة من الركود الاقتصادي؟
تبدو التقييمات متضاربة حول حقيقة الوضع في هذا القطاع. وهناك أيضا حساسية مفرطة من قبل الخبراء في التعامل مع أي مؤشرات سلبية في قطاع العقارات الأمريكي، إذ لا تزال الذاكرة تحتفظ بأن تساهل البنوك الأمريكية في منح الرهن العقاري لأعوام طويلة، كان العامل الأساسي وراء انفجار الأزمة المالية عام 2008، لكن آخرين لا يريدون البقاء أسرى الماضي، مفضلين دراسة المؤشرات الراهنة في سياق الوضع الاقتصادي العام الحالي في الولايات المتحدة.
ربما كان الطلب المتزايد أبرز ملامح سوق العقارات الأمريكية في عام 2020، حيث يرجع ذلك في جزء كبير منه إلى معدلات الرهن العقاري المنخفضة حاليا بشكل قياسي، ما ساعد في دعم الطفرة في قطاع الإسكان، وجعل قطاع العقارات القطاع الأكثر مرونة في الاقتصاد الأمريكي.
الخبير العقاري فيليب مير يراهن على أن القطاع العقاري الأمريكي سيشهد مزيدا من التدفقات الاستثمارية هذا العام، ومزيدا من الانتعاش أيضا، مستبعدا أي اهتزازات تؤدي إلى تآكل الأرباح والإنجازات التي تحققت في العام الأخير من رئاسة ترمب.
وقال لـ"الاقتصادية" إن "المسار الاقتصادي الأمريكي يتجه نحو حزمة تحفيز كبيرة يتم إنجازها قرب نهاية الربع الأول من هذا العام، ولا سيما أن الوضع الصحي الأمريكي في مواجهة جائحة كورونا لا يزال متدهورا. مثل هذه الصفقة التحفيزية ستوفر دفعة قوية للنمو في الربع الثاني وما بعده".
ويتابع، "يضاف إلى ذلك أنه من المستبعد حاليا أن يقوم مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة، وفي الواقع فإن أسعار الفائدة في الولايات المتحدة إذا ما تغيرت خلال الفترة المقبلة فإنها ستنخفض، ما يعني انخفاضا أيضا في أسعار الفائدة المتعلقة بالرهن العقاري، ويشجع ذلك مزيدا من الفئات الاجتماعية على دخول سوق الشراء".
في الحقيقة فإنه رغم الانعكاسات السلبية لتفشي وباء كورونا على الاقتصاد الأمريكي، إلا أن قطاع الإسكان كان من بين القطاعات الرئيسة الأكثر بريقا والأكثر مرونة، حيث لم يمنع تفشي الوباء وارتفاع معدلات البطالة ملايين الأمريكيين من مواصلة البحث عن شراء منزل، إنه خلال الربع الثالث من العام الماضي زادت أسعار المنازل التي تقطنها أسرة واحدة 12 في المائة وتعد تلك أكبر قفزة سنوية في سبعة أعوام.
ويعتقد بعض الخبراء العقاريين أن جائحة كورونا عززت من النظرة التقليدية للمنزل كمخزن للقيمة، ولعبت أيضا دورا ملموسا في إنعاش السوق العقارية الأمريكية وزيادة الطلب على المنازل، حيث هرع عديد من ملاك العقارات في المدن إلى بيع منازلهم بأسعار مقبولة أو منخفضة لشراء منازل في الضواحي وبعيدا عن مناطق الاكتظاظ السكاني خوفا من فيروس كورونا، وبحثا أيضا عن مساحات أكبر تتضمن غرفا إضافية للعزل الصحي إذا تطلب الأمر أو للعمل منها.
مع هذا يرى الباحث في الاقتصاد الأمريكي أيه. جي. هوج أن انتعاش القطاع العقاري الأمريكي لا يعني أن الصورة وردية للجميع، حيث إن زيادة الطلب أوجدت أيضا أزمة في القدرة على تحمل تكاليف الإسكان لملايين الأمريكيين.
ويقول لـ"الاقتصادية"، "أدى الجمع بين الطلب الشديد ومعدلات الرهن العقاري المنخفضة إلى دفع أسعار المساكن إلى مستويات تجعل من الصعب ادخار الدفعة الأولى لشراء العقار، خاصة بين المشترين لأول مرة، وفي الوقت الحالي لا توجد مؤشرات على أن نمو الأسعار سيتباطأ، والتوقعات أن ترتفع قيمة المنازل بنهاية هذا العام 10.5 في المائة عن مستوياتها الحالية".
ويعد هوج أنه على الرغم من أن انخفاض أسعار فائدة الرهن العقاري بشكل كبير وهو عنصر جذب لمزيد من المشترين إلى السوق، فإنه على الجانب الآخر هناك ارتفاع في معدلات البطالة الذي يعد عنصر طرد وإقصاء من السوق العقارية، حيث بلغ معدل البطالة في الولايات المتحدة في كانون الثاني (يناير) الماضي 6.3 في المائة، وبلغ عدد العاطلين عن العمل 10.1 مليون شخص.
ويضيف "والنتيجة أن ما بين 225 - 500 ألف من أصحاب المنازل في جميع أنحاء الولايات المتحدة قد يواجهون الإخلاء بسبب فقدان القدرة على دفع الرهن العقاري هذا العام، وهذا العدد أكثر من المعتاد، كما أنه في كانون الثاني (يناير) الماضي كان هناك 2.7 مليون من أصحاب العقارات غير قادرين على سداد ما عليهم من قسط شهري لسداد قيمة المنزل، وهذا يمثل 547 مليار دولار من أصل الدين غير المسدد".
تلك الملاحظات السلبية وعلى جديتها لا تعني من وجهة نظر كثير من الخبراء أن سوق الإسكان الأمريكي سيواجه أي تحديات ضخمة في القريب العاجل، فبنهاية هذا العام سيباع في الولايات المتحدة نحو 6.9 مليون وحدة عقارية.
كما يتوقع أن ترتفع ملكية المنازل لأول مرة منذ عام 2005 إلى أكثر من 69 في المائة، ويرجح أن يكون النمو السنوي لمبيعات المنازل هو الأعلى منذ 40 عاما، مدفوعا في ذلك باليقين المالي من ثبات السياسات النقدية للمجلس الفيدرالي الأمريكي، بما يجلبه ذلك من مزيد من البائعين إلى السوق لتلبية احتياجات الطلب الكبير والمتزايد.
كما أن التطورات التكنولوجية تسهم ولا ريب في إنهاء معاملات البيع والشراء سريعا، لكن ذلك لا ينفي أن أسعار العقارات ستنمو بمعدل أبطأ في عام 2022، وبما يقل قليلا عن 5.5 في المائة، بينما ستظهر التحديات العميقة بعد عامين من الآن.
واستغلت شركات العقارات الأمريكية والمطورين العقاريين الوضع الراهن وما يمثله من فرصة إيجابية لتحقيق أرباح مرتفعة إلى أقصى حد ممكن، فواصلت طرح مزيد من العقارات الجديدة في الأسواق، لتصل حاليا إلى أعلى نقطة لها منذ بدء وباء كورونا في التفشي في الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من قيام البائعين بإدراج مزيد من المنازل، فإن السوق الأمريكية لا تزال في حاجة إلى زيادة المعروض لإبطاء الزيادات الحادة في الأسعار، وعلى أمل تمكين الفئات الدنيا من الطبقة المتوسطة من الاستفادة من الطفرة العقارية التي ستتواصل في الولايات المتحدة لعدد من الأعوام المقبلة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من تقارير و تحليلات