Author

البيع على المكشوف علاج للتلاعب والتضليل

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد

تستمر هيئة السوق المالية في ممارسة مسؤولياتها في حماية السوق المالية من الممارسات غير العادلة وغير السليمة، والعمل على تحقيق العدالة والشفافية في تداول الأوراق المالية، حيث يتمثل معظم حالات الاشتباه التي ترصدها الهيئة في مخالفات تتعلق بشكوك حول ارتفاعات أسعار بعض الأسهم، وما ينتج عنها من أرباح غير مستحقة للمتلاعبين. لن أتكلم هنا عن طرق الرصد والمتابعة ومدى صحتها، ولا عن لائحة سلوكيات السوق التي تحدثت عنها سابقا، وطالبت بإعادة النظر فيها بشكل شبه كامل، بل سأتكلم عن البيع على المكشوف، وكيف أنه هو العلاج الناجع لهذه المعضلة.
المطلوب هو المسارعة في تفعيل آلية البيع على المكشوف التي تمت بالفعل الموافقة عليها من قبل الهيئة من خلال آلية إقراض الأوراق المالية وبطريقة البيع المغطى، وأزعم هنا أن هذا سيحل كثيرا من المشكلات التي تعانيها الهيئة في سبيل تحقيق أهدافها.
بداية الحق أن هيئة السوق المالية و”تداول” قامتا بجملة من الخطوات التطويرية المهمة قبل وبعد برنامج الانضمام إلى المؤشرات العالمية، شملت أمورا تنظيمية وإجرائية، مثل مركز إيداع وشركة مقاصة، والتحول إلى نظام التسوية بعد يومين وإنشاء السوق الموازية، وأسواق العقود المستقبلية وصناديق مؤشرات الأسهم ومؤشرات الصناديق العقارية، وغيرها. كذلك تمت الموافقة على البدء بآلية إقراض الأسهم والبيع على المكشوف، علما بأن هاتين الآليتين ليستا حاليا من ضمن شروط الانضمام للأسواق الناشئة، أي: لا توجد ضغوط على الهيئة لتقديمهما، بل يبدو أنهما تمتا بقناعة بجدواهما.
تطرقت قبل أعوام لآلية البيع على المكشوف وبينت في وقتها أنها ليست بالضرورة من بيع ما لا يملك، وهو الأمر الذي فيه إشكاليات شرعية، بل إن البيع على المكشوف المغطى عبارة عن قيام المتداولين باقتراض أسهم مملوكة لآخرين، وبيعها في السوق بشرط إعادتها لأصحابها متى كانت هناك حاجة إليها من قبل مالكيها الأصليين، وهذا بالفعل ما تعتزم الهيئة القيام به.
البيع على المكشوف غير المغطى هو الذي يمكن وصفه ببيع ما لا يملك الشخص، وكثير من الأسواق المالية تمنع ممارسته، بما في ذلك الأسواق الأمريكية. هذا لا يعني أنه غير موجود، بل لا يسمح بممارسته بشكل نظامي. هذا النوع من البيع على المكشوف لا يتطلب اقتراض الأسهم قبل بيعها، بل يقوم أي جهة تحت سيطرتها كمية من الأسهم لعملاء لديها ببيع تلك الأسهم وشرائها لاحقا، إما لمصلحتها وإما لمصلحة عملاء آخرين لديها، والهدف من ذلك تشغيل أسهم معطلة قابعة في محافظ عملاء من المستثمرين على المدى الطويل، وبذلك تجني هذه الجهات عمولات من هذه العملية.
هيئة السوق المالية لن تسمح بالبيع غير المغطى، بل على الجهة التي ستمارس هذا النوع من البيع التقدم أولا لمركز الإيداع واقتراض الأسهم بطرق نظامية، وحسب شروط معينة وضعتها الهيئة، وذلك من أجل إضفاء نوع من الانضباط والتحكم بأي تأثيرات محتملة نتيجة ممارسة هذا النوع من البيع، ويشمل ذلك وضع ضمانات للتأكد من مقدرة المقترض على إرجاع الأسهم المقترضة، علما بأن قيمة هذه الضمانات تتغير مع تغير أسعار الأسهم المقترضة.
مبدئيا لن يسمح بالبيع على المكشوف لعامة المتداولين، وأتمنى أن يرفع هذا التحفظ قريبا، لذا ستكون البداية على من يرغب في البيع على المكشوف من الأفراد أن تكون لديه تداولات بأكثر من 40 مليون ريال في العام، وصافي أصوله لا تقل عن خمسة ملايين ريال، ويكون ممن يعملون في القطاع المالي، وهكذا من شروط. لكن حاليا هناك حاجة ملزمة إلى ممارسة البيع على المكشوف في العقود المستقبلية وفي أسهم صناديق المؤشرات، حيث يحتاج القائمون على هذه الأسواق - أي صناع السوق - إلى مزاولة هذا النوع من البيع.
كذلك لن يتم السماح ببيع أسهم جميع الشركات على المكشوف، بل ستكون هناك قائمة يعدها مركز الإيداع بالشركات المسموح بيعها على المكشوف، وهناك شروط على أسهم الشركة المبيعة أسهمها على المكشوف، مثلا: ألا تتجاوز نسبة الأسهم المبيعة على المكشوف حدا معينا.
كيف يمكن لهذه الآلية الحد من التلاعب والتضليل اللذين أرهقا كاهل الهيئة؟
على سبيل المثال في الحالات التي قامت الهيئة بإحالتها إلى النيابة العامة هذا الأسبوع تمثلت المخالفات - التي دائما لا نعرف تفاصيلها بشكل واضح - بقيام المخالفين المحتملين بإدخال أوامر شراء بهدف التأثير في سعر السهم، الأمر الذي يلفت انتباه الهيئة نتيجة الارتفاعات الكبيرة في السعر. البيع على المكشوف يتصدى لأي ارتفاعات غير مبررة، بحسب اعتقاد الهيئة، وذلك بقيام متداولين آخرين بالبيع على المكشوف لتلك الأسهم ذات الأسعار الشاطحة إلى الأعلى، فيأتي العلاج من السوق إلى السوق، دون حاجة إلى تدخل الهيئة ولا النيابة العامة. هذا التصحيح يتم لكون المتداولين المسلحين بآلية البيع على المكشوف يستطيعون بيع أي أسهم يرون أنه مبالغ في سعرها، سواء نتيجة تلاعب أو سوء تقدير من المتداولين، وعندما يتم بيعها ينخفض سعرها إلى السعر المفترض.
الحقيقة: إن السوق المالية في أبوظبي حققت خلال أكتوبر الماضي إنجاز أول عملية بيع على المكشوف بتطبيق آلية الاقتراض والبيع على المكشوف، حيث قام أحد الوسطاء بتنفيذ أول عملية لمصلحة أحد عملائه، وبذلك يمكن القول: إن سوق أبوظبي سبقت “تداول” في تطبيق هذه الآلية.
أتوقع أن نسمع قريبا عن تنافس محموم بين وسطاء الأسهم في المملكة، كالمصارف والمؤسسات المالية المرخصة، في مجال اقتراض الأسهم من مركز الإيداع وإتاحتها أمام العملاء لبيعها على المكشوف. وسبب هذا التنافس هو أن كمية الأسهم المتاحة للاقتراض محدودة وهناك تكلفة للاقتراض، وبالتالي سيتعين على الوسطاء مراعاة جدوى القيام بذلك حسب طلبات العملاء واستراتيجياتهم.
ختاما: البيع على المكشوف قادم للسوق المالية السعودية، ومن أهدافه دعم السيولة وتعميق السوق - والأهم من ذلك من وجهة نظري - معالجة حالات الاشتباه والإدانة التي تقوم بها الهيئة نتيجة الارتفاعات الشاهقة لأسعار بعض الأسهم، حيث ستتولى السوق عملية تصحيح نفسها بنفسها.

إنشرها