رئاسة ذات قمتين

سلمت السعودية إلى إيطاليا رئاسة مجموعة العشرين، وقبل عام أي في أواخر العام الماضي كان المنظور لعام الرئاسة نمطيا قد يختلف في بعض التفاصيل عن القمة التي قبل، التي عقدت في اليابان. أما ما حدث بالفعل فقد كان مغايرا لكل التوقعات والسيناريوهات. ولم يغادر فكري أبدا السؤال الضخم الذي برز في البداية؟ كيف ستعقد مئات الاجتماعات؟ لكن اتضح فيما بعد أن هذا هو السؤال السهل في سلسلة لم تنقطع من الأسئلة التي تولدها الظروف كل يوم، لتفرض ذاتها على العالم صحيا واجتماعيا وبالتأكيد اقتصاديا، وأخذنا نشاهد كيف تحول كل ذلك إلى "كرة ثلج" تتعاظم وتلقي بثقلها على النظام المالي العالمي، بسبب تعطل الاقتصاد والشبكات اللوجستية وبالتالي التجارة العالمية وبالتالي ضعف وتباطؤ التدفقات النقدية، ولجوء الحكومات والقطاع الخاص للاستدانة أو لتمديد مواعيد السداد. كل ذلك لم يكن ضمن "نطاق العمل"، ومع ذلك فنطاق العمل المعتاد لدولة الرئاسة كان حافلا بالقضايا الملحة اقتصاديا وماليا وتجاريا وبيئيا وتقنيا. وهكذا أصبح عام رئاسة السعودية بعبأين، العبء المستجد المتولد عن الفيروس المستجد، والعبء المعتاد في كل عام رئاسة. والواقع يقول إن تعامل السعودية مع كلا العبأين كان بمضاعفة السعة والجهد لاستيعاب الحمل المتزايد: لعبء تتوارثه الدول عاما بعد عام مدركة أبعاده والتحدي هو في التوافق على سياسات ومبادرات، وعبء طارئ صادم ليست مدركة أبعاده ولم تتاح الفرصة بعد للدول للتوافق على نطاقه وتحدياته ولم يتهيأ الوقت لوضع سياساته ومبادراته.
ومع كل ذلك كان تعامل الفريق السعودي والأمانة العامة لمجموعة العشرين، وهي سعودية باعتبار أن ليس للمجموعة أمانة عامة دائمة بل تنتقل ضمن مهام دولة الرئاسة، تعامل من ليس أمامه إلا خيار واحد وهو إتمام المهمة وأن يكون النجاح سانحة لإلهام العالم بأن الفرص تأتي بها الصعاب والجوائح، ولتثبت السعودية بذلك أن التعاون بين دول المجموعة في ظل ما فرضته جائحة كورونا من تداعيات، يعد أكثر أهمية من أي وقت مضى، تستوجبه مسؤولية صون حياة الإنسان وحماية سبل العيش وتقليل الأضرار الناتجة عن الجائحة ورفع الجاهزية المستقبلية لأي تحديات طارئة بمثل هذا الحجم أو أكثر. ولذا عقدت السعودية قمة مبكرة في قمة القادة الافتراضية الاستثنائية في 26 مارس 2020، وهي سابقة بأن تعقد قمتين في عام رئاسة واحد. ويتضح تعامل السعودية مع العبأين المعتاد والمستجد بتتبع وتيرة الاجتماعات قبل الجائحة، أي حتى نهاية فبراير 2020، ووتيرتها من مارس حتى يوم تسليم الرئاسة لإيطاليا، لنجد أن الوتيرة تضاعفت ولم يترك أي ملف أو قضية في كلا الاتجاهين دون أن يحظى باهتمام تام ومعالجة معمقة، في مسعى لاغتنام فرص القرن الـ21 للجميع لتمكين الإنسان وحماية كوكب الأرض وتشكيل آفاق جديدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي