Author

الألمنيوم وجبال النفايات البلاستيكية

|
تتزايد باطراد أعداد الشركات التي تصنع منتجات من الألمنيوم معاد التدوير كطريقة للحفاظ على البيئة، وللمساعدة على حل مشكلة كبيرة ألا وهي التلوث البلاستيكي. على عكس البلاستيك يمكن إعادة تدوير الألمنيوم وإلى عدد لا نهائي من المرات على ما يبدو، لذلك فمن المحتمل أن يزيد الألمنيوم بشكل كبير ارتفاع جبال النفايات البلاستيكية التي نخلفها. لكن هل مستقبل الألمنيوم مشرق حقا كما يوحي كل الضجيج المثار حوله؟.
نعلم جميعا أن البلاستيك يمثل مشكلة حقيقية، ويصنع باستخدام كميات كبيرة من الوقود الأحفوري. على الصعيد العالمي يتم إنتاج 400 مليون طن من البلاستيك كل عام، لكن بعد ذلك ينتهي الأمر بمعظم هذا الإنتاج في مدافن النفايات أو في المحيط. والأسوأ من ذلك أنه لم تتم إعادة تدوير سوى أقل من 10 في المائة من جميع المواد البلاستيكية التي تم تصنيعها على الإطلاق. لكن هناك مشكلة أوسع في إعادة تدوير البلاستيك وهي أنه حتى عند إعادة تدوير قارورة بلاستيكية فإنها عادة لا تتحول إلى قارورة بلاستيكية أخرى.
إن القارورة التي تحتوي على مشروبات غازية - على سبيل المثال - تكون مصنوعة من عدة طبقات من بوليمرات مختلفة. وعندما نحاول وننجح في إعادة تدويرها، يكون من الصعب جدا فصل جميع البوليمرات المكونة ثم تحويلها مرة أخرى إلى قارورة جديدة جاهزة للاستخدام. وبدلا من إعادة تدوير مثل هذه المنتجات البلاستيكية بشكل مثالي، عادة ما يتم إعادة تدويرها إلى منتجات أقل تعقيدا. قد ينتهي الأمر بهذه القوارير كألياف في وسادة، أو ربما سلة مهملات. لذلك لا يمكن إعادة تدوير معظم تلك المنتجات البلاستيكية، بل ينتهي الأمر بها في سلة المهملات في النهاية، لأن التدوير إلى منتجات أقل تعقيدا يؤخر فقط أمرا لا مفر منه.
وعندما نبحث عن بدائل للبلاستيك يبزغ الألمنيوم معلنا نفسه. على عكس البلاستيك لا يعد الألمنيوم مادة محتومة أن ينتهي بها الأمر إلى نفايات ضارة بالبيئة، بل يمكن لمنتجات الألمنيوم أن تتحول إلى منتجات ألمنيوم أخرى دون فاقد كبير في هذه العملية. يمكن أن تحتوي منتجات الألمنيوم في المتوسط على ما يقرب من 70 في المائة من المحتوى المعاد تدويره، ما يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف المحتوى المعاد تدويره الذي تقدره وكالة حماية البيئة الأمريكية لكل من الزجاج أو البلاستيك. وما يقرب من 70 في المائة من إجمالي الألمنيوم المنتج حتى الآن لا يزال قيد الاستخدام اليوم، وإن كان بعض أنصار حماية البيئة يعتقدون أن هذه النسبة مبالغ فيها. ولم يكن الألمنيوم يوما خيارا شائع الاستعمال في حاويات المشروبات لأنه أغلى من البلاستيك، لكن نظرا لما يتسم به البلاستيك من سمعة سيئة يتحول مزيد ومزيد من الناس إلى تفضيل علب الألمنيوم. وقد أعلنت شركتا كوكا كولا وبيبسي هذا العام أنهما تعملان على طرح المياه المعبأة في حاويات ألمنيوم كجزء من جهودهما لخفض النفايات البلاستيكية.
لكن سواء ارتشفنا المشروبات من علب ألمنيوم أو قوارير بلاستيك، فإن كل صنف من هذه الحاويات له تكلفة بيئية. ونحن كمستهلكين يسهل علينا إدراك حجم التلوث عند إلقاء نظرة على القمامة التي نخلفها عن إدراك الدمار الناتج عن التصنيع، لكن التصنيع غالبا ما يكون أسوأ بكثير. ورغم أن الألمنيوم هو أحد أكثر المعادن وفرة في قشرة الأرض، إلا أنه ليس من السهل استخراجه لأنه يكون مخبأ في خام البوكسيت. وقد يلزم تعدين ما يصل إلى خمسة أطنان من البوكسيت للحصول على طن واحد من الألمنيوم. ولفصل الألمنيوم من البوكسيت فإنه يخضع لعملية كيميائية تخلف وراءها مواد سامة وحمأة حمراء. وينتج عن تصنيع الألمنيوم أيضا غازات دفيئة فائقة القوة، تسمى مركبات الكربون المشبعة بالفلور. وفي الواقع يتطلب إنتاج ألمنيوم جديد ضعف الطاقة التي يحتاج إليها إنتاج بلاستيك جديد، لكن إعادة تدوير الألمنيوم توفر نحو 90 في المائة من الطاقة المستنفدة في تصنيعه. لذلك لتحقيق أكبر قدر من الفوائد البيئية لاستخدام الألمنيوم يجب أن نتأكد من استثمار أغلب الأموال في الألمنيوم معاد التدوير وليس الألمنيوم البكر.
وعملية إعادة التدوير ليست عملية مثالية أيضا، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالإلكترونيات التي قد تحمل بعض المواد السامة التي يمكن أن تضر بالبيئة والناس بعد التخلص منها.
وعملية تدوير المواد هي عملية صناعية، وبعدها عملية صناعية يمكن أن تكون كريهة للغاية ولها أضرار حقيقية. ولا شك أن العاملين في مصانع إعادة التدوير يمكن أن يتعرضوا للأذى.
ولا تشكل علب المشروبات والأجهزة الذكية سوى أجزاء من الطلب العالمي على الألمنيوم. وكان إنتاج الألمنيوم قد ازدهر بين عامي 2010 و2018، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى عمليات التصنيع في الصين، لكن منذ عام 2018 أدت المنافسة التجارية وتباطؤ النمو في الصين إلى كبح الطلب. ويرى بعض الخبراء علامات على حدوث انتعاش أخيرا، وقد يرجع الفضل جزئيا في ذلك إلى الطلب على علب الألمنيوم.
وقد يكون الطلب المتزايد على الألمنيوم مفيدا للأعمال، ولكن لا يزال الاستهلاك الصديق للبيئة استهلاكا في حد ذاته. بل يمكن حتى أن يشكل انتكاسة ذاتية لأن زيادة كفاءة استخدام المنتج قد تؤدي في الواقع إلى زيادة استهلاك الناس له وليس العكس. وهذا الأمر يمكن أن يحدث للألمنيوم. وخلاصة القول: إن الألمنيوم لن ينقذ العالم، فنحن لا نريد حل مشكلة تراكم البلاستيك عبر إنشاء مشكلة جديدة وهي تراكم الألمنيوم.
إنشرها