Author

الغرب يفكر في الانفصال عن الصين .. هل بإمكانه؟

|
أستاذ جامعي ـ السويد
انظر إلى ظهر الهاتف الذكي الذي تحمله، أو إلى الكتابة التي ترافق الأجهزة الدقيقة التي تملكها، وعلى الأرجح سترى اسم الصين منقوشا عليها. عبارة "صنع في الصين" أو "تم تجميعه في الصين" ترافق كثيرين، نحو 40 في المائة من الأجهزة والمعدات الحديثة التي في حوزتنا. تعد نهضة الصين من بلد كان في خانة العالم الثالث قبل نحو 30 عاما إلى عملاق اقتصادي يقف ندا أمام أعتى قوة عسكرية واقتصادية عرفها العالم ألا وهي الولايات المتحدة من المعجزات الكبيرة في عصرنا هذا. فلا غرو أن تصبح الصين رقما صعبا في العلاقات الدولية وربما أهم موضوع في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ينتظر نتائجها العالم بفارغ الصبر.
والمتابع للمناقشات والمناظرات التي تسبق موعد الانتخابات في الولايات المتحدة وما يدور على صفحات المواقع الإعلامية الرئيسة قد يخرج بانطباع أن مسألة معاقبة الصين أو الانفكاك اقتصاديا عنها مجرد مسألة وقت بغض الطرف عن فوز أي من المرشحين. بيد أن فك الارتباط مع الصين أو فرض عقوبات خانقة على اقتصادها ليسا باليسر الذي يتصوره البعض. بقدر أهمية الغرب ومعه الولايات المتحدة لتزييت عجلة الاقتصاد الصيني، هناك حاجة ماسة لا يمكن الإفراط فيها بقدر تعلق الأمر بأهمية بالصين. وكأن الصين تقرأ المستقبل، ولهذا أعدت نفسها لليوم الذي يصبح فيه ردم الهوة بينها وبين الولايات المتحدة مستحيلا.
فالدولة الصينية ومضاميرها المختلفة خصوصا أذرعها المالية والتكنولوجية منكبة الآن مثل خلية نحل على تطبيق الرؤية أو الاستراتيجية التي دشنها الرئيس الصيني أخيرا وعمادها زيادة الاتكال على المصادر الوطنية وتقليل الاتكال على المصادر الأجنبية.
والاستراتيجية ذات شقين رئيسين. الأول: يستهدف أكبر قدر ممكن من الاستقلال في إدارة شؤون العملة والتبادل التجاري خارج نطاق الدولار - العملة التي تهمين عليها الولايات المتحدة وفيها تكمن قوتها وسطوتها شبه المطلقة على التجارة العالمية. والشق الثاني: يركز على الاستقلالين التقني والتكنولوجي ولا سيما في الحلقات الدقيقة للثورة الخوارزمية التي تمسك بزمامها الولايات المتحدة وتستخدمها مرارا لضرب الشركات الخوارزمية الصينية الناشئة.
وهناك شق ثالث كان وراء نهضة الصين الخارقة يتعلق بالبنى التحتية والامتيازات الكبيرة التي توفرها للشركات الأمريكية والغربية أولا لإغوائها للهجرة إليها وثانيا لإقناعها بالإقامة الدائمة فيها.
تصور أن الرئيس الصيني ذاته يعقد اجتماعات مع مديري الشركات الكبيرة - أمريكية وغيرها - العاملة في الصين واعدا إياها بإزالة أي معوقات قد تعترض أعمالها وتصريف إنتاجها.
تعمل الصين وسعها لتقديم خدمات بنى تحتية وعمالة ماهرة ورخيصة وأرباح مجزية لن تجدها هذه الشركات في أي بقعة أخرى من العالم إن فرضت عليها حكوماتها مغادرة أراضيها، لكن مهما تحدثنا عن قوة الصين ومناعتها، لديها نقاط ضعف. فرغم اعتماد العالم، وفي مقدمته الولايات المتحدة، على البنى التحتية الصناعية الصينية، هناك ثغرات في الاقتصاد الصيني التي في إمكان غريمها الاقتصادي الأول، وهو أمريكا، النفوذ من خلالها لضرب اقتصادها.
وأخطر ثغرة تتمثل في تخلف الصين واعتمادها الكبير على الولايات المتحدة في صناعة الرقائق الإلكترونية التي دونها تصبح أغلب أجهزتنا الرقمية جثثا هامدة.
تعرف الصين أن البون بينها وبين الولايات المتحدة في مضمار الرقائق شاسع وأنها قد تحتاج إلى أعوام عديدة للاعتماد على ذاتها والتخلص من الهيمنة الأمريكية في هذا المضمار.
الصراع بين العملاقين الصيني من جهة والأمريكي والغربي من جهة ثانية واقع حال وصار له أوجه مختلفة، بيد أنه لم يصل حتى الآن إلى مرحلة يمكننا أن نطلق عليه فيها مصطلح الحرب الباردة.
ومهما كان من أمر، فإن الحرب الباردة هذه إن وقعت، لن تكون مثل تلك التي دارت رحاها بين أمريكا والدول الغربية من ناحية والاتحاد السوفياتي السابق من ناحية أخرى.
عالم اليوم ليس عالم الستينيات والسبعينيات أو حتى الثمانينيات من القرن المنصرم، حيث كان الاتحاد السوفياتي قوة عسكرية ضاربة في خضم اقتصاد هش. الصين قوة اقتصادية ضاربة.
ومؤشرات ونتائج الحرب التجارية التي شنتها الولايات المتحدة على الصين في الأربعة أعوام الماضية قد تكون بمنزلة خريطة طريق لما ستؤول إليه الأمور في حال وقوع حرب باردة التي قد لا ينجو من تبعاتها السلبية أي من الطرفين.
صحيح أن هذه الحرب قلصت سلسلة إمداد الصين للحواسيب والألواح والأجهزة الذكية الأخرى بنسبة 4 في المائة، لكن لا تزال الصين تهيمن على نحو 45 في المائة من التجارة العالمية فيها.
ورغم الحرب التجارية هذه، فإن قيمة التبادل التجاري بين البلدين فاقت نصف تريليون دولار في العام المنصرم.
صحيح أن التعريفات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على الصين وصلت قيمتها إلى نحو 370 مليار دولار، لكنها في الوقت نفسه كانت مكلفة جدا للاقتصاد الأمريكي ذاته، حيث قلصت الإنتاج المحلي وأدت إلى التحاق نحو 300 ألف أمريكي بصفوف العاطلين.
إنشرها