Author

نحو مجتمع معرفي عربي

|
هذا العنوان ليس لهذا المقال فقط، بل إنه عنوان كتاب صدر هذا العام عن عمادة البحث العلمي في جامعة الملك سعود. وغاية هذا المقال هي التعريف بهذا الكتاب ومضامينه، خصوصا أن بناء مجتمعات معرفية في العالم بات هدفا مطروحا عالميا أوردته منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم .. اليونيسكو UNESCO. وقد تم هذا الطرح على أساس أن المعرفة هي الوسيلة الرئيسة للتنمية الشاملة وتجددها واستدامتها في هذا العصر وعلى أنها أيضا وسيلة مهمة للتفاعل والتفاهم الدولي، في إطار منافسة تحكمها الموضوعية وتبادل المصالح، بما يحقق رضا الأطراف الدولية المختلفة، ويعزز السلام بين الأمم.
يقدم الكتاب غايته على أنها محاولة لإلقاء الضوء على الواقع المعرفي العربي، والسعي إلى المشاركة في تقديم بعض الأفكار حول تطوير هذا الواقع نحو الأفضل، من أجل مواكبة العصر والاستجابة لمتطلباته. وفي سبيل تحقيق هذه الغاية يطرح الكتاب ثلاثة موضوعات رئيسة تبدأ بالحديث عن المعرفة والمجتمعات الإنسانية عبر العصور، وخصائص مجتمع المعرفة، ثم البحث في الواقع المعرفي العربي، وأخيرا مناقشة مسألة بناء مجتمع معرفي عربي.
هناك فصلان في موضوع المعرفة والمجتمعات الإنسانية، وخصائص مجتمع المعرفة. يشمل الفصل الأول ثلاثة مضامين رئيسة. يهتم المضمون الأول بالجوانب المختلفة للمعرفة، بما يشمل: علم المعرفة، وأنواعها وطبيعة هذه الأنواع، وحقولها المختلفة، ومستوياتها، إضافة إلى نشاطاتها وأثر تقنيات المعلومات في هذه النشاطات. ويرصد المضمون الثاني المعالم الرئيسة للتطور المعرفي عبر التاريخ، ثم يناقش المضمون الثالث التميز المعرفي الذي يشهده هذا العصر عن العصور السابقة. وفي طرح خصائص مجتمع المعرفة، يبين الفصل الثاني الوظائف المتكاملة للنشاطات المعرفية، ويوضح صفات البيئة المحيطة بها، المؤثرة فيها والمتأثرة بها. كما يتحدث عن الإنسان كمحور للمعرفة ومحرك نشاطاتها، وعن المعطيات التقنية ذات العلاقة، واستخدام تقنيات المعلومات والاتصالات في تعزيز النشاطات المعرفية وتفعيلها. ويستند الفصل في طرحه لخصائص المعرفة إلى مضامين مختلف الأدلة والمؤشرات الدولية العامة ذات العلاقة بقضايا المعرفة.
بعد ما تقدم، تسعى الفصول الخمسة التالية إلى التعرف على الواقع المعرفي العربي، حيث يقدم الفصل الثالث بيانات الأدلة والمؤشرات الدولية العامة لخصائص مجتمع المعرفة لجميع الدول العربية. وقد تم طرح هذه البيانات عبر تحديد ترتيب كل من الدول العربية بين الدول على مستوى العالم. وقد أتاح ذلك التعرف على مكامن القوة ومواطن الضعف المرتبط بالمعرفة لكل دولة عربية بالنسبة إلى دول العالم المختلفة. ويأتي الفصل الرابع بعد ذلك مكملا للفصل الثالث، ولكن ليس من أجل بيانات الأدلة والمؤشرات الدولية العامة، بل من أجل بيانات مؤشرات دولية تفصيلية تم اختيارها على أساس مدى ارتباطها بقضايا معرفية مهمة. وشملت هذه المؤشرات 50 مؤشرا تتعلق بقضايا رئيسة تشمل: التعليم والبحث العلمي، والعمالة وبيئة الأعمال، والتقنية، والتعامل والتعاون والمنافسة، وخصائص حالة الإنسان في المجتمع.
يهتم الفصل الخامس، بعد ذلك بإبراز حقيقة أن العرب قادرون على النجاح في بناء مجتمع المعرفة من خلال عرض قصص نجاح، من مختلف الدول العربية، نالت جوائز عالمية، هي جوائز مؤتمر قمة مجتمع المعلومات WSIS السنوية. وقد استعرض الفصل قصص نجاح عربية نالت جوائز المؤتمر، وقد حدثت قصص النجاح هذه في كل من: المملكة، والإمارات، وعمان، والكويت، وتونس، والجزائر، ومصر.
واستكمالا للتعرف على الواقع المعرفي العربي، اهتم الفصل السادس بالجامعات وأهميتها في بناء مجتمعات معرفية قادرة على العطاء والإسهام في التنمية وتعزيز استدامتها. طرح الفصل المهمات الرئيسة الثلاث للجامعات وهي: التعليم، والبحث العلمي، والتفاعل مع المجتمع، واستعرض الفصل الجامعات العربية بشكل عام، وركز على الجامعات العربية الـ 50 الأولى طبقا لتصنيف QS. ثم قام الفصل السابع، بعد ذلك، بتقديم أمثلة حول تفوق بعض المؤسسات المعرفية العربية المتميزة. وشملت هذه الأمثلة المؤسسات التي حصلت على جائزة البنك الإسلامي للتنمية في مجال العلوم والتقنية، والجامعات التي حصلت على المراتب الأولى للجامعات العربية في كل من تصنيف شنغهاي Shanghai، وتصنيف Webometrics، إضافة إلى تصنيف QS.
بعد بيان الواقع المعرفي العربي عبر الفصول الخمسة السابقة يأتي الجزء الثالث من الكتاب ليعرض الأسس والتوجهات والحلول لبناء مجتمع عربي معرفي، حيث يركز الفصل الثامن على دور اللغة العربية في بناء مجتمع المعرفة العربي، انطلاقا من أهمية اللغة في تكوين المعرفة، وفي تحفيز التواصل المطلوب بين أفراد المجتمع لتحقيق النمو الاقتصادي المعرفي، وتفعيل إبداعات المجتمع ومنجزاته سواء العلمية منها أو الاقتصادية أو الاجتماعية. ويناقش هذا الفصل أيضا واقع اللغة العربية تجاه تحديات العولمة المرتبطة بالمجتمع المعرفي الذي يتميز بإسقاط الحاجز اللغوي ودمج دول العالم وثقافاته في كيان عالمي موحد ولذلك فإن التحول إلى مجتمع معرفي عربي يستلزم مواجهة اللغة العربية لتحديات العولمة متعددة الأبعاد.
ويقدم الفصل التاسع تصورا للأسس والتوجهات المطلوبة لبناء مجتمع المعرفة، مستفيدا مما ورد في الفصول السابقة. وتنظر هذه الأسس والتوجهات إلى هذا المجتمع كمنظومة متكاملة تشمل عناصر ونشاطات وعلاقات تتفاعل ضمن أبعاد تحدد أثرها وتأثيرها. ويقدم الفصل منهجية تطوير مستمر للمنظومة، ويهتم بوجود مؤشرات تقييم ومتابعة تفعل هذا التطوير وتضبط توجهاته، ويكمل الفصل العاشر ما ورد في سابقه، وينظر إلى المدى الواسع لقضايا مجتمع المعرفة في العالم العربي، ويركز على خمس قضايا رئيسة هي: الإرادة اللازمة لبناء المجتمع المنشود، والانطلاق نحو المستقبل بعد التعرف على الواقع المعرفي القائم، والاهتمام بدور الجامعات، والتخطيط العلمي الحكيم للمستقبل، إضافة إلى الاهتمام بأهمية اللغة العربية في المجتمع المعرفي العربي.
والأمل أن يسهم ما سبق في بيان الأسس التي تستند مجتمعات المعرفة إليها، وفي طرح الواقع المعرفي العربي، وفي إلقاء الضوء على آمال المستقبل في بناء مجتمع معرفي عربي قادر على المنافسة والعطاء وتفعيل التنمية وتعزيز استدامتها. بقي أن نقول: إن الكتاب من تأليف كل من الدكتور سامي صالح الوكيل وكاتب هذا المقال.
إنشرها