«وإنه لقسم لو تعلمون عظيم»

جميل أن نقرأ القرآن، لكن الأجمل أن نتدبر آياته، وكلما ازداد فهم الإنسان للقرآن وزاد علمه بإعجاز الله وقدرته، ازدادت خشيته. "إنما يخشى الله من عباده العلماء"، وكلما زاد علم الإنسان وفهمه للكون، أدرك أنه بعيد كل البعد عن الإحاطة بالعلم. "وما أو تيتم من العلم إلا قليلا"، ولذا كان من الواجب التفكر والتدبر باستمرار في كل ما خلقه الله وأوجده من نبات وحيوان وأفلاك. عندما يقسم الله سبحانه وتعالى بمواقع النجوم؛ فإن ذلك يدل على عظمة هذا القسم، الذي أشار سبحانه إلى أنه "لقسم لو تعلمون عظيم". يحتار العقل عندما ينظر إلى السماء، وينقلب البصر خاسئا وهو حسير. أي عظمة هذه؟ أي إبداع هذا؟ أي إعجاز هذا؟ حاول علماء الفلك أن يقيسوا بُعد النجوم بوحدة الكيلومتر المعروفة، وذلك في محاولة منهم لمعرفة حجم الكون، فوجدوا أن الشمس تبعد عن الأرض 150 مليون كيلومتر، وأن أقرب نجم للأرض بعد الشمس، هو قنطورس Centauri، الذي اتضح أنه يبعد عن الأرض نحو 43000000000000 كيلومتر! وهو رقم لا يمكن قراءته، فكيف إذا قيست أبعاد النجوم في المجرات الكونية البعيدة. ومن هنا استخدم علماء الفلك وحدة قياس لأبعاد النجوم وهي "السنة الضوئية" ويقصد بها المسافة التي يقطعها الضوء في سنة واحدة، وحيث إن سرعة الضوء هي 18 مليون كيلومتر في الدقيقة، لذا فإن السنة الضوئية الواحدة تعادل 9.46 تريليون كيلومتر. بيننا وبين النجم القطبي أربعة آلاف سنة ضوئية. بيننا وبين مجرة "المرأة المسلسلة" مليونا سنة ضوئية. الأرض والشمس وبقية المجموعة الشمسية كلها تنتمي إلى مجرة تسمى "درب التبانة"، التي تحوي مئات البلايين من النجوم، وتعد مجرة صغيرة قياسا بما عرف حتى الآن من المجرات الأخرى. إن الإنسان لا يجوز له أن يقسم إلا بالله، أما الله - جل جلاله - فيقسم بما شاء من خلقه، وإذا أقسم سبحانه بشيء، دل هذا على عظم المقسم به. إذن، عندما يقسم - سبحانه - بـ "مواقع النجوم"، فإنه يخاطب الإنسان بأنك لو كنت تعلم حقيقة مواقع النجوم، فستعلم لماذا أقسمت بها، وستعلم أيها الإنسان عظمة هذا القسم. حقيقة، لا يملك الإنسان حين يتدبر ويتفكر في الكون إلا أن يقول: سبحانك ربنا ما أعظمك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي