الاختراعات السعودية الكنز المفقود

يعتمد بعض الدول الصناعية الكبرى على تصدير صناعات وخدمات متنوعة كان الفضل لأغلبها فكرة بسيطة من أحد أبنائها ثم اختراعا، حتى تطور إلى مادة يمكن إنتاجها وتسويقها داخليا وخارجيا، ومع مرور الوقت أصبحت لها قيمة اقتصادية في تلك الدول ودور مهم في صادراتها.
تبرز الاختراعات التي تصدر من أفراد أو شركات حسب اهتمام كل دولة بفئة المخترعين لديها، ومدى دعمها لهم وقناعتها وتقديرها لأهمية كل فكرة حسب ما تتميز به عن مثيلاتها. لذلك نجد اهتماما عالميا بالاختراعات اليابانية أو الصينية أو غيرها من الدول التي ما زالت تبهر العالم كل يوم بمزيد من الأفكار الملهمة، التي تساعد على خفض تكلفة الوقت والمال في مجال معين، بل حتى مستوى الجودة والخدمة في أحيان أخرى.
لم تصل مثل هذه الدول إلى كسب اهتمام وأنظار العالم لولا إيمانها التام بأهمية دعم أبنائها والأفكار التي تنشأ داخل أسوارها منذ بدايتها ومرورا بدعمها وإجراء الاختبارات اللازمة لها، وانتهاء بالتسويق لها واستعادة كل ما تم صرفه عليها، واستمرارا بتحقيق الأرباح وإيجاد الوظائف وتطوير المجالات الصناعية والطبية والترفيهية أيضا وغيرها.
وعودا على عنوان المقال فقد تدرجت نسبة الاختراعات السعودية بالارتفاع، واستطاعت القدرة على المنافسة على المستوى العربي خلال ثلاثة عقود منذ عام 1988 حتى نهاية 2018.
فنجد أن بداية تلك الفترة كانت الاختراعات السعودية في مراتب متأخرة مقارنة ببقية العالم العربي، إلا أنها بدأت بالصعود الملحوظ وتحقيق قفزات كبيرة في العقد الثالث والأخير وتحديدا من عام 2010، إذ استطاعت أن تحتل المرتبة الأولى عربيا بعدد الاختراعات، وكذلك تجاوز ثلث كمية اختراعات الدول العربية مجتمعة في آن واحد، حيث تجاوز عدد الاختراعات السعودية حاجز الألف اختراع.
وهناك عدة أمور قد تسبب غياب هذه الأرقام التي لم يكن لها صدى كبير في الإعلامين المحلي أو العربي، ولم تجد الدعم الكافي لها رغم أهميتها للاقتصاد.
أولها ربما يكون عدم الإيمان التام بقدرة بعض هذه الاختراعات على إيجاد قناة استثمارية داعمة للاقتصاد، وإعطائها الوقت اللازم من الدراسة وربما التطوير إذا احتاجت إلى ذلك، كذلك عدم وجود قناة تكون جسرا للتواصل بين المخترعين والمستثمرين حسب كل مجال، وأسباب أخرى من المعوقات التي من شأن إزالتها توسيع دائرة الاختراعات ومضاعفتها لمستويات أكبر بدءا من الخطوات البيروقراطية للحصول على براءة اختراع ومرورا بتقليص الفترة الزمنية لذلك، وأيضا توفير الدعم المالي للمخترعين وأخيرا وربما ليس آخرا عدم وجود قناة استثمارية واضحة تعنى بهذا المجال وتبرزه للقطاعين الحكومي والخاص، فمن المهم أن تكون هناك قناة إعلامية مختصة بهذا المجال، وهيئة تعنى بمتابعة كل اختراع على حدة وإعطاء تقييم لها حسب المجال والأهمية، وعرض الجميع على تلك القناة للمساهمة في صناعة جسر بين الأفراد والمستثمرين الذين قد يمثلون القطاع الحكومي أو الخاص، وقد يكون جسرا متينا وقناة استثمارية قادرة على خفض الاستيراد والمساهمة بتصدير أنواع مختلفة من الصناعات التي أنتجتها عقول أبناء وبنات الوطن.
وحقيقة من المؤلم أن تجد شابا أو فتاة لهما اختراعات أقل ما يقال عنها، إنها تستحق الاهتمام والدراسة والتطوير والدعم، لكنهما يفشلان في إيجاد وظيفة لهما في هذا المجال الذي غالبا ما يكون أحدهما أو كلاهما قد ابتعث للدراسة على نفقة الدولة، بل بعضهم رفض فكرة الإعادة لجامعته التي ابتعث إليها أو حتى الجنسية من أجل العودة لخدمة الوطن حتى أجبره عدم احتضان فكرته إلى العمل بمجالات أخرى ليس لها علاقة بمجال تخصصه لا من قريب ولا بعيد، وهنا فقد الوطن المال المستثمر في ذلك المبتعث أو المبتعثة.
وختاما فبوجود دعم لا محدود من حكومتنا وحرص ولاة الأمر الدائم على تشجيع أبناء وبنات الوطن، ومع وجود عقول تتمتع بالابتكار والاختراع في عدة مجالات استطاعت تحقيق مستويات وأرقام قياسية في وقت قصير، وكذلك امتلاك الوطن لقنوات إعلامية مميزة، كل ذلك يجعلنا نتفاءل بأن تتبلور هذه الأفكار لتكون واقعا ملموسا عما قريب وبمشاركة كل الجهات ذات العلاقة للاستفادة من تلك الاختراعات. فالاقتصاد الذي يرغب في الاعتماد على الإنتاج والتصدير في مجالات متنوعة، لا بد أن تكون بدايته من العقول البشرية التي يملكها حتى تحقيق مستهدفاته على المديين المتوسط والبعيد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي